إلى المحتوى الرئيسي

متى ستعودون إلى بلدانكم؟

يبدو أن كثيرين من أصدقائنا الألمان مهتمّون جدًا بمشاعر الحنين التي تصيبنا نحن اللاجئين، هذا الحنين اللعنة، وتكاد لا تمر.

12.01.2018
Bürgerkrieg: Rauch nach Luftangriff in einer Stadt in Syrien
© dpa

يبدو أن كثيرين من أصدقائنا الألمان مهتمّون جدًا بمشاعر الحنين التي تصيبنا نحن اللاجئين، هذا الحنين اللعنة، وتكاد لا تمرّ مناسبة أو مهرجان، قراءة أو نقاش، إلّا وأسمع سؤالاً من قبيل: "هل تفكر بالعودة إلى وطنك الأم؟"، أو "متى ستعود إلى بلدك؟" وقد لا تعني هذه الأسئلة المتكررة أن أصحابها قد ضاقوا ذرعًا بوجودنا، وقد لا توحي بأنّهم من أنصار حزب البديل النازي الذي يريد إعادتنا من حيث جئنا ليستعيد وطنه المسروق، وقد تعني حقًا أنها أسئلة من أشخاص مهتمّين بنا ومتعاطفين، ولكنّي أتساءل: لماذا يشغل هذا السؤال بالَهم؟ وهل أنا مضطر حقًا للإجابة عليه؟

كشخص وُلد في الشارقة لأب لاجئ، وعاش في دمشق لاجئًا، ثم لجأ إلى عمّان، ثم لجأ إلى كولونيا، ثم لجأ إلى برلين، ولا يعرف بعد إلى أين سيلجأ بعدها، أجد هذا السؤال غير ذي أهمية، بل مزعجًا في كثير من الأحيان، ربما لأنني عشت في ثقافة عربيّة لا تحبّذ هذا النوع من الأسئلة إلّا للضيوف غير المرحب بهم، فإذا افترضنا أن البلد هنا هالمنزل، وإذا افترضنا أننا ضيوف، فسؤال: "متى ستعود إلى منزلك؟"، يتم فهمه على أنه طردٌ بشكلٍ لبق.

من جهة أخرى، وبعيدًا عن حالتي الشخصيّة، كوني أعتقد أن هذه الأسئلة لا يقصد بها الأفراد بعينهم، بل المجموع ككل، أي السوريين واللاجئين، وليس رامي أو سارة أو فاطمة، فمن المهم برأيي الإضاءة على بعض النقاط المهمّة لأصدقائنا الألمان، رغم أني كنت أفترض أنها بديهيات بعد سبع سنوات من المقتلة السورية:

  • لم يأت اللاجئون إلى بلادكم بغرض السياحة والاستجمام، أو تغيير ثقافتكم، أو تبشيركم بدينهم، ولا حتى ليأخذوا أموال ضرائبكم، بل جاؤوا قسرًا، وهُجّروا من بيوتهم، وخسروا أصدقاءهم، عائلاتهم، أطفالهم، ذكرياتهم، أماكن طفولتهم، أعمالهم، والمكان الذي يعبّرون فيه عن أنفسهم بلغة يتحدثونها، ولجؤوا بحثًا عن الحماية.
  • اللاجئون لم يخلقوا لاجئين، ولم يلجؤوا بسبب زلزال أو بركان، هناك سبب واضح وصريح جعلهم يلجؤون ويخسرون كلّ شيء، وهو أن ديكتاتورًا خطيرًا اسمه بشار الأسد يمارس الإبادة بحق شعبه ويرتكب مع مناصريه وأشباهه جرائم بحق الإنسانيّة، في الوقت الذي يقوم العالم "المتحضّر" وإعلامه اليوم بالتطبيع مع هذا المجرم ويعيد العلاقات معه شيئًا فشيئًا دون أدنى اعتبار لملايين الضحايا السوريين الذين قتلوا أو هجّروا قسرًا.
  • لطالما أن المسبب لم يتوقف، والسبب لم ينته، فالنتيجة لن تنتهي كذلك. مجرم حرب، استعمل كلّ وسائل الإرهاب ضد شعبه، وأخطرها على الإطلاق هو إرهاب الدولة، واستعمل كلّ أنواع السلاح الذي يمكنه الحصول عليه، من البنادق والطائرات والدبابات الروسية، إلى البراميل المتفجرة محلية الصنع، إلى السلاح الكيماوي الذي اشتراه من ألمانيا.
  • دون عدالة لا يوجد سلام ولا أمان، ودون رحيل الأسد ومحاكمته لن تكون هناك سوريا آمنة، ودون أمن وسلام وحريّة لن يعود اللاجئون، بل سيأتي غيرهم أكثر وأكثر، النتائج لا يمكن إيقافها دون إيقاف المسببات.

هذه النقاط قد تجيب على سؤال عودة السوريين بشكل عام، أمّا على المستوى الشخصي، فأنا لا أحب مصطلح العودة، ولا أفضّل أن أعود، ولا حتى أن أنظر إلى الوراء، الطريق بالنسبة إلي باتجاه واحد نحو الأمام، وأنا لم أترك دمشق خلفي، على العكس، أتمنى في القريب أن أجدها أمامي لأذهب إليها، ولكنني بالتأكيد لن "أعود" إلى دمشق.

www.alasheq.net

© www.deutschland.de