"علامةٌ على التآزر"
أُضيء وسطُ مدينة فرانكفورت خلال شهر رمضان في سابقةٍ هي الأولى من نوعها. عمدة مدينة فرانكفورت إسكندري-جرونبيرج تتحدَّث عن جدوى الانفتاح الديني.
تشغل نرجس إسكندري-جرونبيرج (تحالف 90/الخضر) منصبَ عمدة مدينة فرانكفورت آم ماين ورئيسة إدارة شؤون التنوع ومناهضة التمييز والتماسك الاجتماعي في حكومة المدينة. تدعو المُعالِجةُ النفسية، التي فرَّت من إيران إلى ألمانيا، من خلال عملها، إلى الانفتاح الديني والتسامح في مدينة فرانكفورت متعددة الثقافات.
سيدة إسكندري-جرونبيرج، ما أهم ما يصبو إليه عملك؟
أصبو إلى التآلف الاجتماعي؛ إذ تزايدت الأزماتُ في شتى أنحاء العالم. وتشرذمت المجتمعاتُ بشكلٍ لم يسبق له مثيل، وانقسمت إلى قطاعاتٍ مُحمَّلة بالكراهية. يهمني أن نعمل معًا من أجل مناخنا الاجتماعيّ، فمجتمعُنا يحتاجُ إلى أن نعمل بكامل طاقتنا من أجل مكافحة التطرف اليميني والعنصرية ومعاداة السامية والغجر والمثليين والمسلمين.
ما الدور الذي يلعبه الانفتاحُ الدينيُّ في ترابط المجتمع؟
إن الحريةَ الدينية أحدُ المكتسبات الراسخة في الدستور الألماني بعد أحداث محرقة اليهود. من المهم أن نتسامح كمجتمع مع جميع الأديان. وهنا أودُّ أن أؤكد على ما يلي: التسامحُ لا يعني أن تتسامح مع دينك فحسب، بل يشمل كذلك التسامحَ مع الأديان الأخرى. يعني أن يصافح أحدُنا الآخر. أن نتعاون من أجل التنوُّع والتعايش معًا على قدم المساواة من حيث الحقوق والواجبات، فنحن نعيش في مدينة فرانكفورت آم ماين؛ إحدى أكثر مدن ألمانيا تميُّزًا بتعدد الأديان. هذا هو واقعُ حياتنا. ولا يمكننا أن نغلق عقولَنا أمام هذا الواقع؛ إذ لن يؤدّي ذلك إلا إلى أن ينعزل أحدُنا عن الآخر.
في بداية شهر صيام المسلمين، قمتِ بتزيين وسط مدينة فرانكفورت بعبارة "Happy Ramadan" المُضاءة بالأنوار أمام عدة مئات من المتفرجين في سابقةٍ لم تحدث من قبل في ألمانيا. بماذا كنتِ تشعرين في تلك اللحظة؟
كانت لحظةً آسرةً للغاية. لم أكن أعرف ما ينتظرني، لأنني سمعتُ الأصواتَ الناقدة مسبقًا، إلا أن ذلك لم يحدث عند الافتتاح. كان حولي الكثيرُ من العيون المبتهجة والأطفال المسرورين والعديد من الأشخاص الذين يلتقطون صورًا لأنفسهم أمام الإضاءة، بل ويتصلون بأقاربهم ليخبروهم عن هذا الحدث المذهل. كما وزّعنا الحلويات والتمور.
فالآن إلى جانب تزيين الميادين العامة احتفالًا بالأعياد المسيحية، أصبحت المدينة تتزين أيضًا احتفالًا بمناسبات المسلمين، ولذلك قوةٌ رمزيةٌ عظيمة. ما الدافع وراء اتخاذ هذا القرار وما الهدف منه؟
اتخذ مجلسُ المدينة في عام 2023 قرارًا بالموافقة على مبادرة الحزب الاشتراكي الديمقراطي بتعليق الأنوار احتفاءً برمضان. وفي الواقع لهذا القرار قوةٌ رمزيةٌ عظيمة. إنه رمزٌ للتسامح والتآزر في أوقات الأزمات. فهو بالنسبة لي اعترافٌ بالمسلمين في مدينتنا وتقديرٌ لهم من ناحية. ومن ناحيةٍ أخرى، هو واجبٌ أيضًا. فواجبنا أن نتعاون معًا استنادًا إلى الدستور الألماني من أجل مناهضة معاداة الإسلام وأن نتسامح تجاه إخواننا من البشر.
وكيف كان ردُ فعل المسلمين في ألمانيا؟
تلَّقيتُ ردودَ فعلٍ إيجابية للغاية. لقد لمست تلك الخطوة شغافَ القلوب. أخبرني أحدُ الشباب أن هذه لحظة تاريخية سيحكيها لأولاده فيما بعد. وشكرتني عائلةٌ أخرى وكتبت إليّ قائلةً إنهم سيأتون من شتوتغارت بصحبة أطفالهم الصغار، فأعتقد أن الأنوارَ الاحتفالية برمضان لاقت صدىً إيجابيًا بين المسلمين، ويرجع ذلك أيضًا إلى أن رمضان شهرٌ استثنائيّ بالنسبة لهم يتمتعون فيه بالتأمل الذاتي ويجتمعون فيه. وفي الوقت ذاته جعلتهم الأنوارُ الاحتفالية يشعرون بأنهم مرئيون. لقد رأى الناس شيئًا من هويتهم في وسط مدينة فرانكفورت، وهذا أمرٌ مهم للغاية.
لقد تعرضتِ للاضطهاد السياسي بسبب معارضتك لنظام الملالي القمعي في إيران وفررتِ إلى فرانكفورت مع ابنتكِ في عام 1985. وكنتِ أول لاجئة في ألمانيا تُنتَخَب لمنصب عمدة في عام 2021. كيف تؤثر هذه السيرة الذاتية المفعمة بالأحداث على عملك السياسي؟
قصتي تُعبّر عن مسيرة حياة أناس كثيرة في مدينتنا. وسيرتي الذاتية جعلت مني الشخصَ الذي أنا عليه الآن. فبالنسبة لي الإنسانية دائمًا على رأس الألويات.