إلى المحتوى الرئيسي

سجلات افتراضية للآثار

يقوم المعهد الألماني للآثار بعمل رائد في مجال الرقمنة.

22.12.2014
© dpa/Prisma Archivo - Palmyra

خزائن منهوبة، واجهات مكسرة ومكاتب للأرشيف محطمة: صور النهب والتخريب في المتحف الوطني في بغداد انتشرت سنة 2003 في جميع أرجاء العالم. شواهد من تاريخ الحضارات الشرقية عمرها 7000 سنة يجري تداولها منذئذ في أسواق القطع الفنية المسروقة.

والعالم المختص يشاهد ما يجري بلا حول ولا قوة.

تقول فرانسيسكا بلوخ من المعهد الألماني للآثار في برلين: "لم يكن يوجد في بغداد سجل رقمي حديث تسجل فيه القطع الأثرية. وإذا لم يكن من الممكن تحديد الهوية الدقيقة للقطعة لا يمكن اعتبارها ملكاً لدولة معينة ولا يمكن بالتالي إعادتها إليها". هذا الوضع يجب تفاديه في سورية حيث يلاحظ بسبب الحرب الدائرة هناك نقل بالجملة للآثار المهربة المستخرجة من المواقع الأثرية بطريقة السلب والنهب. وبهذا الخصوص تقول السيدة بلوخ:"المعهد الألماني للآثار له منذ أكثر من 30 سنة فرع في دمشق ولديه كمية هائلة من المستندات التي نقوم الآن برقمنتها". تتولى عالمة الآثار الدكتورة فرانسيسكا بلوخ ،في المعهد الألماني للآثار، رعاية "مشروع أرشيف التراث السوري" المدعوم مالياً من وزارة الخارجية الألمانية، وهو مشروع تعاوني بين المعهد الألماني للآثار ومتحف الفن الإسلامي. هدف المشروع إعداد سجل رقمي لمواقع التنقيب الأرشيولوجي والنصب التذكارية التاريخية. وتقول مديرة المشروع:"نحن نهيئ بذلك قاعدة ستكون أيضاً ذات أهمية بالغة في حال إعادة البناء بعد الحرب". بناءً على البيانات المسجلة يمكن تحديد النواقص والتعرف على القطع المطروحة للبيع. "القطع التي يثبت أنها مسروقة يمكن مصادرتها وإعادتها إلى سورية".

قام الفريق الأرشيولوجي البرليني حتى الآن بتوثيق نحو 127000 جملة بيانات وبإدخالها إلى المنظومات الاستعلاماتية للمعهد الألماني للآثار.

فقط من أجل رقمنة كميات الصور analog الكثيرة تم نقل عشرات آلاف المسودات بواسطة الحاسوب وتزويدها بجميع المعلومات المفيدة وإدخالها إلى النظام. وتؤكد مديرة المشروع فرانسيسكا بلوخ:"دون بنية هيكلية ذكية للتقنية المعلوماتية لن يكون هذا ممكناً على الإطلاق".

في هذا المجال يؤدي المعهد الألماني للآثار دوراً قيادياً. بواسطة "مركز الأبحاث الجديد للبيانات" إيانوس(IANUS)، الذي يمكن أن يكون نموذجاً لمؤسسات أخرى، يؤدي المعهد عملاً رائداً في علم الآثار والعلوم القديمة. المشروع المدعوم مالياً من المؤسسة الألمانية للأبحاث يعتبر نفسه مركزاً وطنياً متخصصاً في مجال البيانات العلمية الرقمية وفي مجال الأرشفة الطويلة المدى. ومن المقرر جمع بيانات بحثية رقمية من علم الآثار وعلوم التراث الحضاري القديم وغيرها من العلوم القريبة منها وتوصيفها وتصنيفها وأرشفتها ووضعها بقدر ما هو ممكن تحت التصرف في شبكة الإنترنت.

المهمة معقدة. فهناك صور ورسائل مخزنة في الأراشيف وكذلك رسومات وقياسات ومخططات من مختلف القرون. يقول فليكس شيفر الذي يعمل في مركز المعهد الألماني للآثار في برلين على إعداد مشروع "إيانوس":"جميع هذه البيانات لا تفقد قيمتها بل تبقى زمناً طويلاً مفيدة للأبحاث العلمية". ويبحث علماء المعهد الألماني للآثار عن حلول للسؤال، كيف يمكن استعمال البيانات الرقمية في المستقبل أيضاً.

مع التطور السريع جداً للطرق الجديدة للتسجيل الرقمي كالتصوير من الأقمار الصناعية والتصوير الحاسوبي العالي الدقة حصل علم البلدان التاريخي على بعد جديد.

يكمن التحدي في جميع هذا الكم الهائل من البيانات المختلفة ودمجها معاً بحيث أنها "تتكلم" مع بعضها. وبهذا الخصوص يقول دكتور المعلوماتية الأرشيولوجية فليكس شيفر:"من الممكن تقنياً حل هذه المسائل بصورة جيدة. ولكن المسألة الأخرى الأصعب هي كيف نقنع المؤسسات العلمية بتبادل المحتويات واستعمالها". حتى الآن يجري توثيق مواقع التنقيب بشكل شخصي، أي أن كل عالم يعتمد نظاماً خاصاً به. لكن شيفر يؤكد أن "التفاهم على نماذج محددة وتصنيفات موحدة لتوثيق الصور ومستندات النصوص والرسومات ،على سبيل المثال، هو شرط لنشوء شبكة رقمية تعمل بشكل جيد". اعتباراً من سنة 2015 سيتم وضع البدايات النظرية لفريقه موضع التنفيذ. وسوف يقدم مشروع "إيانوس" في المستقبل الدعم للعلماء والمؤسسات لإعداد البيانات الرقمية وتوصيفها ومعالجتها والمحافظة عليها وإعطائها للغير، وذلك عن طريق تقديم البيانات المؤرشفة والأدوات والتعليمات والمواد التعليمية.

في البلدان العربية ،مثل سورية وقطر، اهتمام كبير بالخبرة الفنية الألمانية من برلين. فما زال العاملون في مديرية الآثار في دمشق يبحثون في السجلات التشابهية عن القطع المفقودة دون وسيلة بحث حديثة. وتقول فرانسيسكا بلوخ العاملة في المعهد الألماني للآثار والتي كانت حتى سنة 2011 تعمل في فرع المعهد في دمشق:"عندما يعثر على قطعة أثرية ونتلقى سؤالاً من دائرة الجنايات الاتحادية الألمانية نتصل مباشرة بزملائنا في سورية". لكن البحث عن إثبات علمي عسير جداً وفي كثير من الأحيان غير مجد إطلاقاً :"سنحاول إشراك الزملاء بصورة أقوى وإعداد البنى الهيكلية للتقنية المعلوماتية اللازمة بالتعاون معهم. فمن المهم أن يبقى السوريون جزءاً من الأسرة الدولية"،حسب مديرة المشروع.

أما إمارة قطر فهي تعمل في السودان وتتعاون عبر "المشروع الأرشيولوجي قطر السودان" مع المعهد الألماني للآثار على رقمنة أرشيف عالم الآثار العظيم فريدريش هينكل الذي ستقدم نسخته الرقمية إلى المتحف الوطني في الخرطوم. يقول البروفسور راينهارد فورتش مدير المشروع في المعهد الألماني للآثار والمسؤول عن جميع مشاريع الرقمنة :"هذا هو الأفق المستقبلي. فالمعرفة أصبحت تحت تصرف الجميع. وفي الوقت الحاضر تحدث دمقرطة الدخول إلى المصادر والاطلاع على ما فيها".

وهذه فرصة كبيرة للمؤسسات العلمية الدولية. لكن هذا التحول الكبير في النظام له مخاطره أيضاً: فالمعلومات الرقمية يجب تأمينها بصورة مستدامة. بهذا الخصوص يقول البروفسور فورتش :"هنا كما هناك يحتاج الأمر إلى عاملين مختصين وقادرين على التعامل مع التطبيقات. ولذلك فإن هدفنا هو تطوير مودولات سهلة التطبيق ومنسجمة مع بعضها وقابلة للاستخدام في شبكة الإنترنت وقابلة للاندماج في كثير من الترابطات المختلفة".