إلى المحتوى الرئيسي

بالطاقة الشمسية

مما لاشك فيه على الإطلاق أن الرابع من فبراير/شباط سيدخل كحدث مهم في تاريخ المغرب.

19.04.2016

مما لاشك فيه على الإطلاق أن الرابع من فبراير/شباط سيدخل كحدث مهم في تاريخ المغرب. ففي ذلك اليوم دخل البلد الشمال إفريقي في مرحلة جديدة، على الأقل فيما يتعلق بالتزود بالطاقة. بدأ كل هذا بقيام ملك المغرب محمد السادس بالضغط على زر بسيط لا يلفت الانتباه. أمام مئات من ضيوف الشرف، الذين نقلوا إلى جنوب البلاد في طائرتين مستأجرتين، شغّل الملك بكبسة الزر تلك توربينات محطة الطاقة الشمسية "نور 1".

وبذلك تم وضع المقطع الأول من المحطة الضخمة، التي تحوّل على طرف الصحراء الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية، في الاستثمار وربطه مع الشبكة. آلاف المرايا تصطف إلى جانب بعضها في الطبيعة الصحراوية القاحلة. تجمع هذه المرايا ضوء الشمس وتسخن بواسطته سائلاً يحرّك بطاقته الحرارية التوربينات. تبلغ طاقة المحطة 160 ميغا واط مما يكفي حسابياً لتزويد 350000 إنسان بالكهرباء. وخلال بضع سنوات من المقرر أن تولد المحطة الواقعة بالقرب من مدينة ورزازات كمية من الكهرباء تكفي لأكثر من مليون نسمة.

الأول في المنطقة

بذلك يكون المغرب قد دخل نهائياً كأول بلد في المنطقة في مرحلة الطاقة البديلة. وما من بلد آخر في المنطقة يعمل بهذا التصميم على الانتقال إلى الطاقة المتجددة. ويقول يان شيلّينغ مدير مشروع بنك التنمية الألماني (KFW) في العاصمة المغربية الرباط: "قبل مؤتمر المناخ العالمي في باريس سنة 2015 مباشرة تم رفع سقف الأهداف مرة أخرى". إذ تقرر أن يتم حتى سنة 2030 توليد 52 بالمائة من الطاقة الكهربائية التي يحتاجها المغرب من الشمس والرياح والطاقة المائية. حتى الآن تبلغ حصة الطاقة المتجددة نحو الثلث تقريباً، ولكن معظم محطات الطاقة المائية قديمة تعود إلى أعوام الستينات والسبعينات.

أما السبب في تركيز المغرب كل هذا الإهتمام على توليد الكهرباء فهو واضح تماماً. ذلك أن الحاجة إلى الطاقة في هذا البلد النامي الذي يقف على عتبة الانتقال إلى بلد صناعي تزداد عاماً بعد عام –بالإضافة إلى أن المغرب يستورد الجزء الأكبر مما يحتاجه من المصادر الأولية للطاقة. إذ يدفع المغرب لقاء استيراد الفحم الحجري مبالغ ضخمة تشكل عبئاً على ميزانية الدولة. ويشكل التحول إلى الطاقة البديلة فرصة لتخلص المملكة من هذا العبء المالي وتحريرها من الاعتماد على المورّدين. والشرط الأهم لنجاح هذه الخطة متوفر ألا وهو أن: الملك محمد السادس يقف وراء المشروع.

توربينات للمحطة من ألمانيا

وهو يتلقى الدعم من مقرضين أجانب. إذ يساهم البنك الألماني للتنمية وإعادة الإعمار (kfw)، بتكليف من الوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية، في بناء محطة الطاقة الشمسية أكثر من 860 مليون يورو بصيغة قروض ميسرة. ويشكل هذا المبلغ أكثر من ثلث الكلفة التقديرية البالغة 2,2 مليار يورو. ويستفيد من هذا المبلغ ،بصورة غير مباشرة، الشركات الألمانية أيضاً التي تزود المحطة ببعض الأجزاء الهامة ومنها ،مثلاً، العنفات التوربينية. ولقد اتفق وزير التنمية الألماني غرد مولر في نهاية فبراير/شباط خلال زيارة للملكة المغربية مع وزير الطاقة المغربي على التعاون في تنفيذ مشاريع أخرى "توفر أيضاً مجالات لاستثمارات الشركات الألمانية في هذا الحقل الواعد"، حسب قول وزارة التنمية الألمانية.

تفيد دراسة أجراها  "معهد فوبرتال" والمنظمة غير الحكومية "جرمان ووتش"، وبدعم من الوزارة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية، نشرت في الصيف الماضي، أن مشروع الطاقة الشمسية يستفيد منه السكان المحليون فقد جاء في الدراسة قول المؤلفين أنه "بينما تلقى مشاريع الطاقة المتجددة في أوروبا موقفاً لا مبالياً من السكان، تستقبل منطقة ورزازات مشروع "نور 1" بصورة إيجابية جداً. لكن الدراسة تشير في الوقت نفسه إلى أن التأثير الإيجابي على السكان يمكن أن يصبح أعلى لو تم إشراك النساء بدرجة أقوى في مجريات العمل.

"إشارة مؤثرة على التحول في مجال الطاقة"

يقول كريستوف كانّنغيسر ، مدير رابطة إفريقيا للشركات الألمانية، أن نشوء محطة الطاقة الشمسية في المغرب له "إشارة مؤثرة على التحول في مجال الطاقة في إفريقيا". لكن المشروع لم يزل حتى الآن "قطرة ماء على الحجر الساخن" لا أكثر. إذ إن 600 مليون إفريقي مازالوا يعيشون دون كهرباء. ويرى الاقتصاد الغربي هذا الوضع فرصة جيدة للاستثمار. إذ كما هو الحال مع الهاتف المحمول يمكن أن يتم في إفريقيا تجاوز مرحلة تكنولوجية والدخول مباشرة إلى مجال الطاقة الكهربائية المتجددة. ويقول كاننغيسر: "في شمال إفريقيا تحتل ،في المقام الأول، كل من تونس ومصر والجزائر مكانة مهمة في هذا المجال. ذلك أن خطة التنمية التونسية الراهنة تهدف، حتى سنة 2030، إلى توليد 30 بالمائة من الطاقة الكهربائية من مصادر الطاقة المتجددة".ومصر تريد حتى سنة 2020 توليد 20 بالمائة من الطاقة الكهربائية من المصادر المتجددة. وفي مؤتمر المناخ العالمي الذي انعقد في باريس في ديسمبر/كانون الأول 2015 وعد العديد من البلدان بتقديم دعم مالي لتنفيذ الخطط في إفريقيا. إلا أن الشرط اللازم للنجاح هو الاستقرار السياسي والسلام. ويقول ممثل الشركات الألمانية كاننغيسر: بينما لم تؤدي التفجيرات الإرهابية في تونس إلى انسحاب الشركات الألمانية من البلاد، فإن الحرب الأهلية في ليبيا تقضي على جميع الجهود.

تقف إفريقيا في بداية النمو الكهربائي البيئي. وتسعى البلدان هناك إلى تنفيذ مشاريع تغطي، بالدرجة الأولى، حاجتها من الكهرباء. لكن الحلم أيضاً في تصدير التيار الكهربائي الصحراوي إلى أوروبا والذي أيقظته مبادرة الشركات الصناعية "ديزرتك"، ما زال حياً. ويقول شيلّينغ، الخبير الاقتصادي في بنك التنمية الألماني:"في الوقت الحاضر يستورد المغرب الكهرباء. لكن التصدير لم يزل هدفاً استراتيجياً". والكابلات البحرية اللازمة التي تصل بين المغرب وأوروبا موجودة وجاهزة لنقل الكهرباء من أوروبا إلى المغرب –وفي وقت من الأوقات يمكن أن تمر فيها الكهرباء في الاتجاه المعاكس.