إلى المحتوى الرئيسي

مع الروح والجسد

الاستجمام والاستشفاء: لأجل هذا يأتي كثير من الزوار إلى ألمانيا.

06.09.2013
© picture-alliance/dpa - Sauna

عن الصحة والاستجمام و"صنع في ألمانيا"

 

قصر نويشفانشتاين، بحر الشمال، جبال الألب، جزيرة المتاحف في العاصمة برلين، البيرة الألمانية: يوجد الكثير من الأسباب التي تدعو إلى زيارة ألمانيا. زيادة الزوار الأجانب إلى ألمانيا خلال 2012 بمعدل 8% تعود بشكل أساسي إلى القوى الجاذبة للزوار وغير المذكورة (حتى الآن) في كل كتيب أو دليل سياحي. وهي تسمى "الوقاية، التجدد، الطب" إضافة إلى "الاستجمام". تأثيرها الإيجابي المتزايد في اجتذاب الزوار الأجانب يعود من ناحية إلى نمو الوعي الصحي بشكل عام، كما يعود أيضا إلى أن فكرتي الاستشفاء والحفاظ على الصحة تتمتعان في ألمانيا بتقاليد عريقة. في بادن-بادن على سبيل المثال، حيث كان الرومان القدامى يذهبون للاستحمام في ينابيع المياه المعدنية الساخنة، وفيما بعد الدوق الروسي الذي كان يتطلع للاستحمام في أجواء خلابة. أو حمامات بحر البلطيق في هايليغندام حيث "مهد ثقافة الحمامات". هنا أقيم في عام 1793 أول حمام بحري في ألمانيا، الذي سرعان ما تحول إلى موقع لقاء للأمراء والأشراف الأوروبيين.

 

فعليا، تتمتع كافة مناطق الحمامات والمنتجعات الألمانية التي يزيد عددها عن 350 موقعا بمثل هذا التاريخ العريق، كما تحقق جميعها أيضا المتطلبات والمواصفات المفروضة قانونيا لكي تتيح لها الاعتراف الرسمي بأنها ذات منفعة صحية مجدية: أي أنها تتمتع على الأقل بالهواء النقي المنعش إلى جانب شيء من الفحم (الجفت) والطين والكلس والغازات الطبيعية مثل الرادون، إضافة إلى المياه الطبيعية الساخنة أو الدافئة والغنية بالأملاح والمعادن، ومياه البحر، ناهيك طبعا عن العاملين الذي يحملون أفضل تأهيل صحي ويتمتعون بخبرات متميزة. فقط عند توفر هذه الأمور يمكن أن يطلق على المكان صفة منتجع للاستشفاء أو حمام صحي للاستجمام. إنه من إرث العصر الرومانسي أن يكون الطب معتمدا إلى هذا القدر على قوة الشفاء الطبيعية، حسبما ذكرت الصحفية الأمريكية المتخصصة في شؤون الصحة لين باير. وقد قامت بفحص وتحليل الفروقات الثقافية في الأنظمة الصحية في البلدان المختلفة، ولم تجد أي ثقافة يلعب فيها الاستجمام والاستشفاء مثل هذا الدور المتميز الذي يحظى به في ألمانيا. إنها من الميزات التي تتفرد بها ألمانيا، والتي خلقت في البلاد ثقة كبيرة في المهارات التي تساعد اليوم على تقديم عروض لا حصر لها من برامج الاستجمام والاستشفاء: يوغا على بحر البلطيق، تجول في مناطق ألغوي، الاسترخاء والتخلص من الضغوط في فيسترفالد، وكل هذا إلى جانب الخبرة في التغذية الصحية المناسبة التي يقدمها "مطبخ صحي لذيذ" متمرس. لاشك أن الاستجمام يشكل دائما جزءا من برامج الاستشفاء هذه، بحيث يعتبر الاثنان العنصرين الرئيسيين لسلسلة من الخدمات التي تكتسب باستمرار المزيد من الأهمية تحت اسم: السياحة الطبية.

 

حوالي 77000 مريض أجنبي من 171 بلدا يفدون سنويا إلى ألمانيا، بغية العلاج في المستشفيات. بالإضافة إلى هؤلاء يأتي حوالي 115000 مريضا من شتى أنحاء العالم للعلاج في العيادات. التوقعات: زيادة متسارعة. النظام الصحي الألماني يحتل المرتبة الرابعة عالميا. وهذا ما يحول شعار "صنع في ألمانيا" إلى هدف سياحي متميز. تعتبر ألمانيا مرادفا لفكرة "أفضل النوعيات الطبية والتقدم التقني والإبداع"، حسبما يقوله ينس يوشش. الباحث الاقتصادي في المعهد العالي بون-راين-زيغ، حيث يجري البحث منذ سنوات في موضوع السياحة الطبية، يدرك تماما ما الذي يقدره المرضى الأجانب بشكل خاص: "الرعاية الممتازة التي يقدمها أخصائيون معروفون، والتي تكملها عروض متميزة في مجالات الرعاية والوقاية الصحية والاستجمام". المقصود بهذا تماما هو ما يعبر عنه مركز السياحة الألماني في كتالوج "السياحة الصحية": تخصص حديث ورعاية مثالية. كما في مركز القلب الألماني في ميونيخ على سبيل المثال، حيث يتم تنظيم تخصصات القلب والأوعية الدموية، وجراحة القلب وجراحة الأوعية الدموية بشكل مثالي، "بحيث يمكن التعاطي مع أية حالة مهما بلغت صعوبتها وتعقيداتها بشكل حرفي متميز". مثال آخر يتجلى في قسم الطب الباطني بوليكلينيك 3 في المستشفى الجامعي كارل غوستاف كاروس في درسدن، الذي ينتمي للمراكز الرائدة في ألمانيا على صعيد مرض السكري، وحيث يوجد أول قسم متخصص في الوقاية من مرض السكري على المستوى الأوروبي.

 

دعائم أساسية أخرى: قسم أمراض الدم وطب الأورام وأمراض المفاصل والروماتيزم في المستشفى الجامعي في هايدلبيرغ، الذي يترأسه أحد أشهر الاختصاصيين في العالم: البروفيسور أنتوني هو، الذي أشرف على إنشاء وإدارة مراكز زراعة الخلايا الجذعية الدموية في كندا وفي الولايات المتحدة. من بين المجالات التي حقق فيها مستشفى شاريتيه في برلين "خبرات عالمية متميزة" هي تخصصات الأمراض العصبية والأورام وجراحة الدماغ والأعصاب وجراحة العمود الفقري. ليست هذه سوى مجرد بعض الأمثلة على التميز الألماني في مجال الطب والرعاية الصحية الذي منح ألمانيا سمعة عالمية متميزة. ومن التخصصات المطلوبة كثيرا أيضا طب العظام وجراحتها والأمراض الباطنية وجراحة البطن وطب الحوادث والكسور وأمراض القلب والأوعية الدموية وطب الأورام.

 

تنبهت المستشفيات لهذه الأمور واتخذت استعداداتها منذ زمن من خلال تقديم معلومات وتعليمات ووسائل مساعدة بمختلف اللغات، إضافة إلى توفير غرف الصلاة والمترجمين وأماكن الإقامة للأقارب والمرافقين ووضع برامج وجبات الطعام المناسبة التي تراعي الطرق والعادات الغذائية المرتبطة بالثقافة والدين، إضافة إلى توفير القنوات التلفزيونية باللغات الأم وتأمين العاملين الناطقين بهذه اللغات ومراعاة الاحتياجات الخاصة للمرضى الأجانب. كما يتم حاليا تقديم عروض متكاملة للسياحة الطبية. الزوار الذين يأتون بغية إجراء عمليات جراحية أو حتى مجرد فحوص طبية يمكنهم تمضية الوقت الحر في التسوق أو التجول في البلاد أو في مصحات ومنتجعات، حسب اهتماماتهم ورغباتهم، وهم يشعرون في كل هذا بالترحيب. كما في حال بادن-بادن التي تحظى بشعبية كبيرة لدى الزوار من دول الاتحاد السوفييتي السابقة GUS بشكل خاص، حيث لا يكاد يوجد هناك أية مصحات طبيعية، وحيث يتوفر لهم في بادن-بادن العاملون الذين يتحدثون الروسية. 

 

حتى على الرغم من تضاعف عددها حوالي خمس مرات خلال سبع سنوات فإن الشعبية الاستثنائية للعيادات والمستشفيات الألمانية لا تنحصر فقط لدى المرضى من دول GUS. حيث أن هؤلاء يتربعون على قمة لائحة الزوار والمرضى من خارج دول الاتحاد الأوروبي إلى جانب القادمين من الولايات المتحدة ومن الدول العربية. الغالبية الساحقة من السياح الطبيين يأتون من هولندا وفرنسا والنمسا وبولونيا وبلجيكا. وما يأخذه جميع السياح الطبيين معهم إلى أوطانهم هو تذكارات مستدامة: استرخاء، استجمام، استشفاء.