إلى المحتوى الرئيسي

سوريا: حيث العمارةُ بصبغةٍ سياسية

بين الأنقاض والأمل: مُنظَّمةٌ برلينية ومؤسِّساها يبذلون كل ما في وسعهم لإنشاء مدنٍ عادلة من الحطام.

Anna Scheld, 05.05.2025
حي جوبر في دمشق بعد انتهاء الحرب الأهلية.
حي جوبر في دمشق بعد انتهاء الحرب الأهلية. © picture alliance / AA/photothek.de | Florian Gaertner

لا يجد إدوار حنّا كلماتٍ لوصف الشعور الذي انتابه حينما تجوَّل في شوارع دمشق لأول مرة منذ سنوات؛ حيث خاض جولةً على أطلال الأحياء المُدمِّرة في يناير/كانون الثاني 2025، أيّ بعد أسابيع قليلة من سقوط نظام الأسد. كان قد عاد إلى وطنه للمرة الأولى بعد عشر سنوات. يحكي قائلاً: "فقط عندما وقفتُ هنالك، أدركتُ أن العملَ، الذي بذلته خلال السنوات الثمانية الماضية، لم يذهب سدىً"؛ ذلك أن الحربَ الأهليةَ في سوريا انتهت في الوقت الراهن، وباتت ملامحُ إعادة الإعمار تلوح في الأفق.

محتوى ثالث

نحن نستخدم ، من أجل تضمين محتويات ربماتحتوي على بيانات عن نشاطاتك. يرجى التحقق من المحتويات وقبول الخدمة من أجل عرض هذا المحتوى.

فتح تصريح الموافقة

Piwik is not available or is blocked. Please check your adblocker settings.

حنّا هو المُؤسِّسُ والمديرُ التنفيذيُّ لمنظمة سيربانيزم غير الحكومية. يعمل منذ العام 2016 انطلاقًا من برلين على صياغة عملية إعادة إعمار سوريا بعد انتهاء الحرب الأهلية – الأمر الذي بدا مستبعدًا حتى وقتٍ قريب – بما يخدم مصالح السكان. أنتجت سيربانيزم منذ تأسيسها مقاطع فيديو توضيحية، وجمعت المهندسين المعماريين السوريين في المنفى، وتواصلت مع الأطراف الفاعلة من قطاع الأعمال ومنظمات المجتمع المدنيّ. 

التصميمُ الحضريُّ مهمةٌ مجتمعية

درس حنّا وشريكتُه المؤسِّسة نور الحرستاني الهندسةَ المعماريةَ والتصميمَ الحضريَّ معًا في دمشق، وغادرا البلادَ في أثناء الدراسة، ولم يعودا أبدًا بسبب الحرب. يقول حنّا إن تخصُّصَهما الدراسيَّ يُسمَّى كذلك "الهندسة المعمارية السياسية"، لأنه لا يتعلَّق بالهندسة المعمارية وحسب، بل يتناول كذلك الجوانبَ الاجتماعية والاقتصادية، التي تتداخل مع تصميم المدن. "يتمحور التخصُّصُ حول عدة مسائل، منها على سبيل المثال: أيُّ تأثيرٍ تمارسه الهندسةُ المعماريةُ على التعايش العام، أي على المجتمع؟ وأيُّ نوعٍ من الهندسة المعمارية يُعزِّز مشاركةَ السكان؟". مسألتان ذواتا أهميةٍ فريدة، خاصةً عندما يُدمَّر جزءٌ كبيرٌ من البنية التحتية والمنازل في البلاد وتُصبح إعادةُ بناءها ضرورةً مُلحِّة. 

كتب حنّا أطروحتَه للدكتوراة عن ماروتا سيتي، وهي حيٌّ في دمشق أراد نظامُ الأسد إعادة بنائه بالكامل. كان مُقررًا بناءُ 80 ناطحة سحاب ومركز مدينة مرموق، حيث يعيش الناسُ منذ أجيال ولكن ليس لديهم وثائقُ رسمية لمنازلهم وممتلكاتهم. مشكلةٌ نموذجيةٌ في سوريا، تُسمَّى "تجمع سكني غير رسمي". يقول حنّا إن نظامَ الأسد حاول استغلالَ هذا الأمر: "كان هذا المشروع، الذي يُفترَض أنه يتطلَّع إلى المستقبل، يخفي في الواقع حقيقةً مفادُها أن السكان كانوا سيتعرضون لمصادرة ممتلكاتهم – ولأنهم لم يكن لديهم وثائقُ رسميةٌ لمنازلهم، كان من الصعب عليهم الدفاعُ عن أنفسهم". واعتبر حنّا أن خطط ماروتا سيتي أشبه بأجندة يريد نظامُ الأسد وفقًا لها إعادةَ بناء مناطق أخرى أيضًا. وهو ما لا يصب في مصلحة السكان القاطنين هناك؛ وإنما وفقًا لخططٍ براقة تعمل على إعادة إنتاج عدم المساواة والظلم. تلك الخطط لم تعد موجودةً حاليًا. لقد جمَّد النظامُ الجديدُ هذه الإجراءات، وينادي باحترام حقوق الناس وضمان تعويضات عادلة، إذا لزم الأمر. 

تثقيف الناس حول تخطيط المدن

يقول حنّا: "لقد أدركنا في ذلك الوقت أن الشعبَ في سوريا لم يتمكَّن من رؤية هذا المخطط غير العادل من النظام القديم على حقيقته – لم يكونوا يعرفون شيئًا عنه ولم يتلقَّوا أيَّ معلوماتٍ مستقلة أو منخفضة المستوى". ثم أخذ على عاتقه مهمةَ تثقيف الناس بمشاركة الحرستاني. وعن هذه الفكرة انبثقت منظمة سيربانيزم في عام 2016. 

محتوى ثالث

نحن نستخدم ، من أجل تضمين محتويات ربماتحتوي على بيانات عن نشاطاتك. يرجى التحقق من المحتويات وقبول الخدمة من أجل عرض هذا المحتوى.

فتح تصريح الموافقة

Piwik is not available or is blocked. Please check your adblocker settings.

يترجم الاثنان القوانين واللوائح الفنية المُعقَّدة إلى لغةٍ مفهومة للناس باستخدام مخططات المعلومات البيانية ومقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي. يُصرِّح حنّا قائلاً: "كان هذا هو المُخرَج الوحيد المُتاح لنا للوصول إلى الشعب السوري". حصد أحدُ مقاطع الفيديو 20,000 إعجاب سريعًا في نجاحٍ أول وغير مُتوقَّع؛ فأنتجا المزيدَ من مقاطع الفيديو. ونظمَّا ورشَ عملٍ ومحاضراتٍ وفعَّالياتٍ على مستوى الشبكة. 

من مشروعٍ بعد العمل إلى مُنظَّمةٍ غير حكومية

كانت منظمة سيربانيزم في البداية نشاطًا تطوعيًا جانبيًا يمارسه حنّا والحرستاني في عطلات نهاية الأسبوع؛ إذ كانت لكلٍ منهما وظيفةٌ بدوامٍ كامل في نهاية المطاف. ولكن بعد ترشيح سيربانيزم لجائزة الشخصية المعمارية الشرق أوسطية للعام 2019، اتصلت بهم الجمعيةُ الألمانيةُ للتعاون الدوليّ وعرضت عليهم التعاونَ معها. أعادت سيربانيزم تنظيمَ نفسها وأصبحت مُنظَّمةً غير حكومية.

وأصبح بإمكان حنّا والحرستاني الآن كسب لقمة العيش من عملهما لصالح منظمة سيربانيزم، ويحصلان على الدعم من مؤسساتٍ ومنظَّماتٍ مختلفة، من قبيل مؤسسة فريدريش إيبرت، ومؤسسة هاينريش بول، والمنظمة الدولية للهجرة. يضم الفريقُ الأساسيُّ خمسةَ أشخاصٍ، مع انضمام موظفين إضافيين على أساس كل مشروعٍ على حدة. 

تشكيل سوريا جديدة بعد سقوط الأسد

يقول حنَا إن منظمة سيربانيزم بدأت حقبةً جديدة منذ سقوط النظام: "بات الوقتُ مناسبًا الآن لوضع كل أعمالنا التحضيرية قيدَ التنفيذ". يخططون لإقامة فعَّالياتٍ عامة وحلقاتٍ نقاشية مباشرة ويعتزمون بناء شبكات تواصل.

التقى حنّا كذلك خلال زيارته إلى دمشق في يناير/كانون الثاني 2025 بوزيرة التنمية في الحكومة الاتحادية آنذاك، سفينيا شولتسة. عرض لها الأحياءَ المُدمَّرة وأخبرها عن التاريخ وعن إمكانية إعادة الإعمار على النحو الذي يُحقِّق تطلُّعات الشعب. كما نظَّم حنّا أيضًا بمناسبة الزيارة فعَّاليةٍ عامة مع منظمة سيربانيزم، وجمع خبراء من سوريا والشتات لمناقشة إعادة الإعمار والمشاركة والإسكان. وجلست على خشبة المسرح نخبةٌ من المحامين والاقتصاديين ومُمثِّلي منظمات المجتمع المدنيّ. 

وقد حجزوا لهذه الفعَّالية قاعةً يمكنها استيعاب 100 شخص. يقول حنّا: "لم نتوقَّع حضورَ عددٍ أكبر". وعندما تزاحم 200 شخص كتفًا بكتف، كان عليهم أن يطلبوا من أصدقائهم أن يرفضوا دخولَ المزيد من المهتمين. يقول حنّا إن الرغبةَ في المناقشة والحوار المتبادل حول مستقبل سوريا كانت جارفة. "منحني ذلك الحدث الكبير الكثيرَ من الأمل بشأن سوريا – وهو شعورٌ لم يخالجني من قبل، بعد كل سنوات الدمار في سوريا".