إلى المحتوى الرئيسي

وكصحفية في المنفى: «حقوق الإنسان هي بوصلتي»

كيف يعزز برنامج «صحفيون في المنفى» حرية الصحافة: نزيهة سعيد تشرح لماذا لا يمكن اعتبار الصحافة المستقلة أمرا مسلما به. 

كيم بيرغKim Berg, 15.08.2025
في مختلف أنحاء العالم يتعرض صناع الإعلام بشكل متزايد للضغوط.
في مختلف أنحاء العالم يتعرض صناع الإعلام بشكل متزايد للضغوط. © akhenatonimages/ Adobe Stock

تعيش نزيهة سعيد منذ 2016 في المنفى، بداية في باريس، واليوم في برلين. لم يكن بمقدورها الاستمرار في عملها في ميدان الإعلام في بلادها، البحرين. حيث كانت تحلم منذ طفولتها بالعمل كصحفية. وفي البحرين، قدمت تقارير لعدة سنوات حول مواضيع مثل حقوق الإنسان والتطورات السياسية وقضايا الجنسين، في البداية لوسائل الإعلام المحلية، ثم لوسائل الإعلام الدولية. ولكن كل شيء تغير اعتبارا من العام 2011، ضمن سياق الربيع العربي. حيث ردت الحكومة بقسوة على الاحتجاجات التي طالب فيها الناس بمزيد من الحقوق والديمقراطية. فقدت سعيد رخصتها للعمل، بل وتم احتجازها لدى الشرطة وتعرضت لقمع شديد بسبب تغطيتها للاحتجاجات. وتؤكد منظمة مراسلون بلا حدود في تقاريرها عن البلدان أن العديد من الصحفيين في البحرين حُكم عليهم بالسجن لفترات طويلة بتهم مثل المشاركة في المظاهرات أو تدمير الممتلكات أو دعم الإرهاب. إلا أن سعيد رفضت الصمت، وقررت الذهاب إلى المنفى. وهي تقول: «لقد أظهر لي الاعتقال مدى أهمية صوتي، وأهمية الصحافة المستقلة، الصحافة التي لا تخضع لسيطرة الدولة أو الشركات والتقارير التي لا تخضع للتأثير السياسي.» 

نزيهة سعيد تدافع عن حرية الصحافة وحرية التعبير.
نزيهة سعيد تدافع عن حرية الصحافة وحرية التعبير. © privat

هذه التجارب أثرت في موقفها تأثيرا مستداما: «مبدأي الصحفي اليوم أكثر من أي وقت مضى: هل ما أقدمه يتوافق مع حقوق الإنسان أم لا؟ هذه هي بوصلتي، أيّا كان الموضوع» 

بداية جديدة مع دعم هداف 

استأنفت نزيهة سعيد عملها كصحفية في ألمانيا. وفي هذا السياق ساعدتها برامج، مثل برنامج «صحفيون في المنفى» التابع للمركز الأوروبي لحرية الصحافة والإعلام (ECPMF). يهدف هذا البرنامج إلى تمكين الصحفيين المنفيين من مواصلة عملهم في ألمانيا وتطوير آفاق جديدة لمستقبلهم.  

مركز ECPMF هو عبارة عن منظمة غير ربحية مقرها في لايبزيغ، تأسست في عام 2015. ويعتمد عمله على الميثاق الأوروبي لحرية الصحافة وميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي. يسعى المركز إلى تحقيق رؤية مجتمع تتيح فيه حرية وسائل الإعلام الحوار المفتوح ويستطيع كل الناس البحث عن المعلومات وتلقيها ومشاركتها بحرية. مهمة مركز ECPMF هي تعزيز وحماية والدفاع عن حرية الإعلام. وهذا يتضمن توثيق الانتهاكات، وتقديم الدعم العملي لمحترفي العمل الإعلامي، والتواصل بين مختلف الجهات الفاعلة في جميع أنحاء أوروبا. 

ومن المكونات الأساسية لهذا العمل دعم العمل الصحفي في المنفى. وهو يستهدف صُنّاع الإعلام الذين اضطروا إلى مغادرة بلدانهم الأصلية بسبب الاضطهاد أو القمع. تقول كاترين شاتس، مديرة البرنامج: «يحمل العديد منهم معه معرفة متعمقة، وخبرة سنوات عديدة، ووجهات نظر قيمة» «في الوقت نفسه، يواجه الصحفيون في ألمانيا تحديات متعددة، بدءًا من وضع الإقامة، وصولًا إلى صعوبة الوصول إلى مكاتب التحرير، وعدم توفر الشبكات» 

ويقدم البرنامج مجموعة واسعة من الدعم: دورات اللغة، والاستشارات القانونية، والدعم النفسي والاجتماعي، والتدريب الإضافي أو الدعم من أجل المعدات التقنية. تقول شاتس: "نحن نعمل عمدًا دون مواعيد نهائية لتقديم الطلبات ونقوم بتكييف الدعم بشكل مرن مع الاحتياجات الفردية". «إن الإقامة المستقرة هي الأساس لكل شيء آخر. لهذا السبب نقدم الدعم في الموضوعات القانونية وعند الضرورة نتحمل تكاليف المحاماة».

يعد البرنامج، بالنسبة للصحفيين من المنطقة العربية على وجه الخصوص، جسراً مهماً للبناء على أعمالهم السابقة. كما تؤكد شاتس قائلة: «من أجل إعادة الدخول الناجحة إلى ميدان العمل، لا نحتاج إلى الأمان المالي فحسب، بل نحتاج أيضًا إلى إمكانية الوصول إلى مكاتب التحرير وفرص التمويل والخطاب العام مع مراعاة مبدأ عدم التمييز» هذا البرنامج مفتوح لجميع المهنيين الإعلاميين الذين اضطروا إلى مغادرة بلدانهم الأصلية بسبب الاضطهاد أو القمع، وذلك بغض النظر عن أصلهم.

تجارب في ألمانيا 

وفي ألمانيا، اختبرت سعيد ما يمكن أن تعنيه حرية الصحافة. «لطالما شعرتُ أنني أستطيعُ تغطية الأحداث المحلية والشتات العربي بحرية» رغم ذلك، فهي تُحذّر من اعتبار حرية الصحافة أمرًا مفروغًا منه: «حرية الصحافة لا يجوز أن تكون نسبية. لا يجوز أن تسري فقط عندما يكون الموضوع مريحا» 

ويرى العديد من الصحافيين من العالم العربي أن الوضع متوتر بشكل خاص عندما يقومون بتغطية جرائم الحرب الإسرائيلية المستمرة ضد الفلسطينيين، بحسب ما أفادت شاتس. وتضيف أن: «العديد من الصحفيين والصحفيات يتعرضون لضغوط ملموسة للرقابة على أنفسهم حتى لا يفقدوا إمكانية الوصول إلى مهماتهم وعقود العمل». سعيد توضح: «يتم تجنب بعض الصيغ، ويتم استبعاد بعض وجهات النظر، وخاصة الأصوات المؤيدة للفلسطينيين. هذا التوجه يفترض أن يدعونا إلى التفكير والتأمل».

وبفضل جهودها والتزامها، حصلت سعيد على جائزة يوهان فيليب بالم لحرية التعبير والصحافة في عام 2014. «عندما تأتي من بلد صغير حيث يخاف الجميع من الحكومة، فمن المشجع للغاية أن تقول منظمة دولية: أحسنت صنعا، عملك وإنتاجك مهم». 

بالإضافة إلى عملها الصحفي، تشارك سعيد أيضًا في تدريب الصحفيات. منذ اعتقالها في البحرين، انخرطت سعيد بشكل مكثف في قضية أمن وأمان العاملين في الحقل الإعلامي، وخاصة في حالات النزاع والاحتجاج. ومنذ عام 2017، تقدم أيضًا ورشات عمل حول التقارير الحساسة المتعلقة بالجنسين باللغة العربية. وقد شارك فيها حتى الآن أكثر من 300 صحفي وصحفية. 

خططها المهنية المستقبلية واضحة: «أريد أن أبقى مستقلة وأن أستمر في الكتابة عن الأمور التي غالبًا ما يتم تجاهلها.»