إلى المحتوى الرئيسي

إغاثةٌ للأهالي في قطاع غزة

الإسرائيلية توم كيلر والفلسطينية صبا أبو دقة تعملان على إغاثة النازحين في غزة بمشروعهما "كلين شِلتر؛ بمعنى مأوى نظيف"، وأصبحتا في أثناء ذلك صديقتين.

Agnes Fazekas, 23.09.2024
المياه الصالحة للشرب في غزة في تناقصٍ مستمر.
المياه الصالحة للشرب في غزة في تناقصٍ مستمر. © pa/dpa

تُمطر صبا أبو دقة نافذتها في برنامج (زووم) بمئات رموز القلب التعبيرية (إيموچي). تُوجِّه هذه الحركة الإيحائية إلى توم كيلر. تتجاذب الفلسطينيةُ والإسرائيليةُ أطراف الحديث بصفةٍ يومية. تُكثر السيدتان المزاح لدرجةٍ تشعر معها عائلتاهما بالغيرة. يتمحور معظمُ حديثهما عن مشروعهما "كلين شِلتر؛ بمعنى: مأوى نظيف"، والذي تمكّنتا من خلاله حتى الآن من بناء ألف مرحاض ودُش استحمام وخيمة وغرفة مشتركة تقريبًا لمنح قرابة 2000 أسرة نازحة في قطاع غزة المزيد من القدرة على تحمُّل الحياة اليومية. 

يمكنُك استشعارُ الدفء بين السيدتين حتى عبر الشاشة. تقول كيلر: "يجمعنا تقاربٌ كبيرٌ في رؤيتنا للعالم". تعمل كيلر في برلين كعازفة تشيلو ومحاضرة في الأدب ولديها ابنتان. فيما تُقيم أبو دقة في ميونيخ وهي مستشارةٌ في منظمةٍ غير حكومية تُعنى بقضايا حقوق المرأة. السيدتان من مواليد العام 1982، لكن حقيقة أن صداقتهن وُلدت في ألمانيا هي أبعد ما يكون عن الأمور البديهية. نشأت أبو دقة جنوبيّ قطاع غزة، فيما ترعرعت توم كيلر في مدينةٍ صغيرةٍ شماليّ إسرائيل.

التقت الفلسطينية صبا أبو دقة (يمين) والإسرائيلية توم كيلر وتعارفتا ضمن مجموعة حوار في ألمانيا.
التقت الفلسطينية صبا أبو دقة (يمين) والإسرائيلية توم كيلر وتعارفتا ضمن مجموعة حوار في ألمانيا. © privat

ملٌ في خِضم الكارثة

التقتا، من بين كل الأيام، في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أي في اليوم التالي لاقتحام مقاتلي حماس السياج الحدوديّ الفاصل مع إسرائيل وقتل 1160 شخصًا واختطاف قرابة 250 رهينة. أصبحتا صديقتين في هذا العام الماضي تحديدًا، وذلك أيضًا تحت وطأة الأخبار المُروِّعة الواردة من قطاع غزة الذي يتعرَّض للقصف الإسرائيليّ. في وقتٍ من المفترض أن يكون الإسرائيليون والفلسطينيون في ألمانيا كذلك أبعد ما يكون أحدُهم عن الآخر. 

توم كيلر وصبا أبو دقة اثنتان من مجموعةٍ قوامها 17 إسرائيليًا وفلسطينيًا، أدخلوا أنفسهم في مشروعٍ مشترك. واستلهامًا من قرية سلام عربية يهودية في إسرائيل، قرر المُنظِّم سليمان حلبي، إفساحَ مجالٍ للحوار في ألمانيا أيضًا. كان موعدُ أول اجتماعٍ عبر الفيديو مُحدَّدًا منذ فترةٍ طويلة: 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023. كان الجميعُ في حالة صدمة، ولكن جميع الأشخاص السبعة عشر شاركوا في الاجتماع.

التحدّيات والإغاثة خلال أشهر الحرب الأولى

تقول أبو دقة: "أشهُر الحرب الأولى كانت كابوسًا". كانت والدتها، والتي تمكّنت في هذه الأثناء من السفر إلى مصر، ما تزال تشارك آنئذ في أحد مشاريع الإغاثة. أما والدها، والذي يُصرّ على عدم مغادرة وطنه إلى اليوم، فكان يبحث عن دجاج ناجٍ بين الأنقاض. وحينما انقطع الإنترنت لمدة خمسة أيام، لم يكن بوسعها إلا افتراض الأسوأ. ثم غمرت أمطارُ الشتاء الأنقاضَ. أرادت أبو دقة أن تكون فاعلةً وتؤدِّي دورًا ومن جهتها عرضت كيلر المساعدة. واتضحت من خلال الاتصال بعائلة أبو دقة الأشياءُ المطلوبة على الفور: مأوى جاف ومياهٌ للشرب ومرافقُ صحية. وذلك بهدف كبح انتشار الأمراض، فضلاً عن توفير مجرد متر مربع من الخصوصية.

أسّست غالي بلاي، وهي إسرائيليةٌ أخرى في مجموعة الحوار، موقعًا إلكترونيًا، وبدأت توم كيلر في جمع التبرعات من خلال شبكة معارفها. لم تستطع شريكتُها الفلسطينية تصديق الجموع المتدافعة من الإسرائيليين، الذين كانوا على استعدادٍ للتبرع لغزة. تقول صبا أبو دقة: "ترك ذلك فيّ تأثيرًا كبيرًا". 

Video اتحادٌ ثنائيٌّ إسرائيلي-فلسطيني في برلين لإغاثة النازحين في غزة قناة الجزيرة باللغة الإنجليزية مشاهدة فيديو

Dieses YouTube-Video kann in einem neuen Tab abgespielt werden

YouTube öffnen

محتوى ثالث

نحن نستخدم YouTube، من أجل تضمين محتويات ربماتحتوي على بيانات عن نشاطاتك. يرجى التحقق من المحتويات وقبول الخدمة من أجل عرض هذا المحتوى.

فتح تصريح الموافقة

Piwik is not available or is blocked. Please check your adblocker settings.

إغاثةٌ مُعدَّلة لسد العجز في الموارد

جمعت هي نفسُها في الوقت ذاته فريقًا من عمال الإغاثة من خلال اتصالاتها في غزة. تمثَّلت أولى مهام الفريق في تركيب كبائن صحية بمرحاض ودش استحمام. مكانٌ للحفاظ على النظافة الصحية، وعلى الآدمية أيضًا. حيث يمثّل هذا الأمر في المخيّمات المزدحمة مشكلةً كبيرةً لكبار السن والنساء في المقام الأول. ونصَبَ فريقُ الإغاثة في الوقت ذاته مخيمهم الخاص بالتعاون مع إحدى المنظمات الأخرى. 

ونظرًا لصعوبة إدخال المواد إلى قطاع غزة، يتعيَّن على الفلسطينيين العمل بالمواد المتوفرة في السوق: يتضاءل المعروض في السوق باستمرار، وبالتالي لا تتوقَّف الأسعارُ عن الارتفاع. تقول أبو دقة: "من المذهل حقًا رغم ذلك، مدى إبداع الناس في أوقات الأزمات". وتواصل القولَ بأن مدير فريقها على الأرض، المهندس المدني أحمد شريف، يتجوّل باستمرار ويتفقّد الأمور جيدًا - ويجدُ دائمًا حلولاً بديلة. على سبيل المثال؛ نظام أنابيب ذاتي التصميم لنقل مياه الغسيل من أحد المُخيَّمات المجاورة. لقد نجحوا في تنظيم كل شيء في غزة حتى الآن أو طلب إنتاجه حتى في حالات الطوارئ، مثل وسائل تنظيف المراحيض: وتُزوَّد بها الآن مخيماتٌ أخرى أيضًا، على حد قولها.

تمثّلت آخرُ الإنجازات في بناء محطة صغيرة لتحلية المياه تعمل بالطاقة الشمسية. تقول كيلر: "يعني ذلك القدرة على توفير مياه نظيفة لنحو 250 أسرة من أهالينا". لقد وجَّهنا حتى الآن جزءًا كبيرًا مما جمعناه من التبرعات فقط لمجرد شراء مياه الشرب، تضيف كيلر. 

ونظرًا لأن الفريق الموجود على الأرض يعمل على أساسٍ تطوعيٍّ تقريبًا، فإن الأمر يتطلب قدرًا كبيرًا من الحساسية من الجانب الألماني. وسرعان ما أدركتا أنه لا فائدة من التوصل إلى حلول مُجهَّزة مسبقًا، تقول أبو دقة: "وافق الناسُ في البداية على كل شيء". كان يؤلمها مدى اعتياد الفلسطينيين في غزة على أن يخبرهم أناسٌ من الخارج بما هو مناسبٌ لهم. "إنهم يفقدون ثقتهم بأنفسهم وبالتالي يغيب الحافز". ولكن موظفيهما تحلَّوا في تلك الآونة بالشجاعة ليقولوا ما يحتاجون إليه بالضبط في غزة، وقد تعلمت المؤسِّستان في ألمانيا أن تثقا بهم في تحمُّل المسؤولية.

ردودُ فعلٍ عفوية على الظروف المتغيرة

"تتغيّر الظروفُ على الأرض من دقيقةٍ إلى أخرى بوتيرةٍ مستمرة، ومعها كذلك الاحتياجاتُ الضرورية". إنهما تخططان حاليًا لإنشاء مُخيّم جديد نزولاً على رغبة الفريق، كما أنهما في الوقت ذاته تريدان أن تكون لديهما القدرة على التجاوب العفويّ قدر الإمكان مع الأزمات الحالية. قد يكون ذلك بسبب أمر إخلاء مفاجئ من الجيش الإسرائيلي – أو حتى تفشٍ حاد للقمليات. تقول كيلر: "يناهز سعر شامبو القمل 50 يورو حاليًا".

وتردف بأنهما تسعدان بمشاركة المعلومات التي جمعتاها وشبكة المعارف التي دشّنتاها. رغم ذلك، تظل أولوية "كلين شِلتر" هي المرافق الصحية. تقول أبو دقة: "يزداد عددُ الوفيات في غزة حاليًا بسبب الأمراض ونقص النظافة الصحية أكثر من موتهم بسبب الهجمات". كما أن عواقب سوء التغذية وحدها ستؤثر على السكان لفترةٍ طويلة. "إنه لأمرٌ محبطٌ للغاية عدم لقدرة على فعل المزيد. ولكن علينا أن نفكر يومًا بعد يوم".

لا أحد يضع رؤيةً لغزة بعد الحرب سوى ابنة كيلر البالغة من العمر اثني عشر عامًا؛ إذ رسمت مؤخرًا لوحةً تستعرض فيها تصورها للسلام: منازلُ كبيرة بها حيواناتٌ كثيرة وبساتين خضراوات - وعددٌ لا بأس به من المراحيض.