إلى المحتوى الرئيسي

«الحوار ليس سوى مجرد البداية»

من ألمانيا يسعى سليمان حلبي جاهدا إلى إقامة الحوار بين الإسرائيليين والفلسطينيين. 

Ulrike Scheffer, 06.05.2024
مشاركون في ورشة الحوار في برلين
مشاركون في ورشة الحوار في برلين © privat

يعيش سليمان حلبي منذ 2014 في ألمانيا. قبل ذلك كان يعيش في إسرائيل كمواطن فلسطيني. وهو ينشط في مجال الوساطة والتنظيم لمجموعات حوار إسرائيلية-فلسطينية ويعمل على تعزيز الحوار بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

السيد حلبي، منذ سنوات تركت العيش في إسرائيل. هل أنت بعيد حاليا عن الأحداث في المنطقة؟

كلا، على الإطلاق. مازلت أشعر بالانتماء الشديد إلى المنطقة، وقد عشت الحروب في بلادي، مثل حرب لبنان في 2006. قبيل مغادرتي إسرائيل في 2014 وصلت صواريخ حماس للمرة الأولى إلى مدينة تل أبيب. علاوة على ذلك مازلت أزور إسرائيل بانتظام. يؤسفني جدا ما يحدث هناك الآن.

سليمان حلبي حصل على الدكتوراه في علم النفس من ألمانيا.
سليمان حلبي حصل على الدكتوراه في علم النفس من ألمانيا. © privat

أنت إسرائيلي عربي من أتباع المذهب الدرزي، أي أنك تنتمي إلى إحدى الأقليات. هل تشعر بأنك تائه دون انتماء بين هذه الجماعات الكبيرة؟

يمكنني القول أن هويتي معقدة حقا. فمن ناحية تعتبر الأقلية الدرزية موالية لإسرائيل، وذلك لعدد من الأسباب التاريخية، وهي تؤدي الخدمة العسكرية هناك. تربيت كدرزي وأعتبر نفسي أيضا جزءا من الأقلية الفلسطينية في إسرائيل. من حيث المبدأ، هذا الأمر لا يشكل بالنسبة لي أية مشكلة. في الأوضاع الحالية يُطلَب من المرء دوما اتخاذ موقف لصالح أحد الطرفين. حسب الطرف الآخر الذي يتحدث معه المرء، فإن التقييم أنه يقف إلى جانب الطرف الصحيح أو إلى جانب الطرف المخطئ. هذا الحوار متعب جدا. أرى أن هذا الأمر مؤسف جدا، فهو يقضي على كل خطاب أو حوار ديمقراطي

تقوم بتنظيم مجموعات حوارية بين الإسرائيليين والفلسطينيين الذين يعيشون في أوروبا. كيف بدأت الحكاية؟

كنت قد وضعت خطة لتنظيم الحوار، قبل هجوم حماس على إسرائيل وما تبعه من هجوم إسرائيلي على قطاع غزة. في كلية علم النفس في جامعة تل أبيب يتم تنظيم مثل حلقات الحوار هذه منذ عشرين عاما. وقد قامت على مبادرة من «مدرسة السلام». أنا شخصيا، التحقت بمشروع «مدرسة السلام» وحصلت على تأهيل كمقدم ومحاور، وأشرفت منذ 2011 على حلقات حوار في إسرائيل. الاعتقاد الكامن وراء هذا العمل هو القناعة بأننا لا يمكن أن نتجاوز النزاعات إلا بالحوار مع بعضنا البعض، ومن خلال تناول موضوعات صعبة ومعقدة. إذا كنا على استعداد لفهم وجهة نظر الآخر. وهذا هو بالضبط الهدف من حلقات الحوار: لا يتعلق الأمر بتبادل الحجج وتسجيل النقاط، وإنما بالحديث عن التجارب الشخصية. كيف أعيش هذه الأزمة وما الذي تعنيه بالنسبة لي؟ 

يمكننا تجاوز النزاعات فقط عندما بالحوار مع بعضنا البعض، ومن خلال تناول موضوعات صعبة ومعقدة.
سليمان حلبي

ما هي «مدرسة السلام» بالتحديد؟

«مدرسة السلام» تنتمي إلى قرية السلام في إسرائيل، حيث يعيش اليهود والعرب جنبا إلى جنب. وتقع هذه القرية بين تل أبيب والقدس. منذ 1979 يتم هنا تنظيم ورشات عمل ولقاءات تسعى جميعها إلى تعزيز السلام. تهدف هذه الحوارات الموجهة إلى مساعدة المواطنين اليهود والفلسطينيين في إسرائيل على فهم بعضهم البعض بشكل أفضل وإلى توعيتهم حول دورهم في النزاع القائم. علاوة على ذلك يتم تأهيل مشرفين ومديرين للحوار يمكنهم حمل هذه الفكرة ونشرها.

هل الحديث عن الأزمة بين إسرائيل والفلسطينيين في أوروبا هو أسهل منه في إسرائيل؟

أعتقد كل الناس الذين لديهم أصدقاء أو أقارب في إسرائيل أو في غزة يتابعون تطور الأحداث الحالية هناك عن كثب. الأمر المميز في حوارنا هو أننا ننجح هنا في أوروبا في جمع إسرائيليين يهود مع فلسطينيين من مختلف الفئات مثل فلسطينيي الشتات وغزة. وهذا الأمر من غير الممكن أن يحصل في إسرائيل إطلاقا. 

تم التخطيط لعقد اجتماع الحوار الأول على شكل محادثة عبر الإنترنت في الثامن من تشرين الأول/أكتوبر، أي في اليوم التالي للهجوم الوحشي الذي شنته حماس على المدنيين الإسرائيليين. كيف كان رد فعلكم على هذه الحال الجديدة؟

تساءلنا بالتأكيد عما إذا كان من المناسب تأجيل اللقاء، على ضوء هذه المستجدات. وقد كانت وجهة نظري: الآن بالتحديد، يجب علينا الحوار. وإلا فإننا سوف نصاب بالجنون. كان رأي الآخرين مشابها حسبما أعتقد. حيث أن جميع المشاركين السبعة عشر قد شاركوا في الحوار عبر الفيديو في الثامن من تشرين الأول/أكتوبر

هل يمكن للمشاركين الحوار وتبادل الأفكار، على الإطلاق، في ظل موجة العنف المتبادلة من كلا الطرفين؟

باستمرار نشهد لحظات عصيبة وصعبة. في بعض الأحيان نشهد شيئا من اللوم المتبادل أو إثارة حوارات سياسية. إلا أننا نشجع المشاركين على تقديم رواياتهم وتجاربهم الشخصية. هذا الأمر يعزز التعاطف. ومن المساعد أيضا تواجد الناس ضمن حلقة واحدة وتبادل النظرات بشكل مباشر. هذا يخلق أيضا شيئا من التقارب. إلا أننا نجحنا حتى الآن في تنظيم لقاء شخصي واحد. إذا أننا مع الأسف نفتقد إلى التمويل اللازم لعقد لقاءات شخصية أخرى. 

من هم هؤلاء الناس الذين يشاركون في اللقاءات؟

إنهم أناس من مختلف الخلفيات. غالبيتهم يعيشون في ألمانيا، والبعض في فرنسا وهولندا وسويسرا وبريطانيا وإسبانيا. إنهم من الأكاديميين والمبرمجين كما يعمل بعضهم في مجال التسويق أو لدى منظمات غير حكومية. ويشارك بعض النشاطين أيضا.

كثيرون ذهبوا إلى أوروبا في محاولة للتخلص من هذا النزاع بكل تأثيراته وتبعاته السلبية. ولكن من خلال الحوار تبين لهم أنه من غير الممكن أن ينسحبوا من هذا الأمر.
سليمان حلبي

ما الذي غيره هذا الحوار بالنسبة لكم؟

لقد تغير شيء في المشاركين. حيث أنهم يفكرون مجددا في مواقفهم. كثيرون ذهبوا إلى أوروبا في محاولة للتخلص من هذا النزاع بكل تأثيراته وتبعاته السلبية. وهذا يظهر بشكل رئيسي لدى الإسرائيليين المشاركين في المجموعة. ولكن من خلال الحوار تبين لهم أنه من غير الممكن أن ينسحبوا من هذا الأمر. إنهم يدركون أن المسألة تلاحقهم في كل مكان. إلا أنهم يدركون أيضا أن بإمكانهم تقديم الكثير في أوروبا والمشاركة من بشكل كبير من أجل السلام.

ما الذي يعنيه هذا الأمر بالتحديد؟

اثنتان من المشاركين، إحداهما إسرائيلية والأخرى فلسطينية أطلقتا معا مشروع مساعدة، وهما تحظيان بدعم آخرين في المجموعة. كما أن أعضاء المجموعة يتداولون الحديث عن مبادرات أخرى. قبل الحوار كان غالبية المشاركين في الحلقة على قناعة بأنهم غير قادرين على فعل شيء من شأنه تغيير الأوضاع على الأرض. ولكن من خلال التبادل والحوار تولدت لديهم قناعة بأن المشكلة ليست مسألة للمراقبة والحوار فقط، وإنما موضوعا للعمل واتخاذ إجراءات فعلية. الحوار ليس سوى مجرد البداية.