"مناقشة المخاوف دون تحيُّز"
يمكن أن يزيد الصراعُ في الشرق الأوسط من الاستقطاب في المدارس في ألمانيا أيضًا. تسعى جوانا حسّون وشاي هوفمان إلى إفساح المجال للحديث عن الأوضاع والمواقف.
تبذل الألمانيةُ الفلسطينية جوانا حسّون والألمانيُّ الإسرائيليّ شاي هوفمان جهودَهما منذ عام 2020 لرفع مستوى الوعي بالصراع في الشرق الأوسط بالاستعانة بتسجيلات فيديو تعليمية. تعمل حسّون مديرةً اجتماعية ومستشارةً نفسية بدوامٍ كامل. وتُلقِي بجانب ذلك محاضراتٍ؛ إذ هي مدرِّبةٌ للتنوُّع في العديد من المنظمات، وتترأس، بصفتها رئيسة مجلس الإدارة، جمعيةَ ترانسايدنسي (Transaidency)، بينما يعمل هوفمان في ريادة الأعمال الاجتماعية، وهو ناشطٌ ومتحدّثٌ ومُنسّق حوار. وشرع بالفعل في إطلاق العديد من المشروعات، وهو مُناصرٌ للاندماج في سياق التعايش على منصات التواصل الاجتماعي.
طوّر الثنائي نَسَق الحوار الثلاثي في المدارس بعد الهجوم الإرهابي الذي شنته حركة حماس الإسلامية المتطرفة على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول والهجوم الإسرائيلي المضاد في قطاع غزة. وهما يرغبان بذلك في إجراء تبادلٍ للآراء في سياقٍ من وجهات النظر المتعددة فيما بين التلاميذ ومنحهم فرصة الحديث صراحةً عن مخاوفهم وهمومهم.
سيدة حسّون، تعملين منذ بضع سنوات في تعاونٍ وثيق مع شاي هوفمان لرفع مستوى الوعي بالصراع في الشرق الأوسط. كيف تعرَّف أحدكُما إلى الآخر؟
حسّون: أنا وشاي يعرف أحدُنا الآخرَ منذ عام 2014. كان شاي في ذلك الوقت يُدير مشروعًا للتوجيه المهنيّ في المدارس. وأجرى في هذا السياق مقابلةً معي حول مسيرتي المهنية باعتباري "نموذجًا يُحتذَى به" [SJ1]. تقاطعت مساراتُنا مرارًا وتكرارًا فيما تلى ذلك من سنوات. تواصل معي شاي في عام 2018، لأنه كان يعلم مدى تركُّز اهتمامي بالصراع في الشرق الأوسط. وخطرت له في تلك الآونة فكرةُ إنشاء مقاطع فيديو تعليمية عن إسرائيل وفلسطين. ومنذ مذبحة 7 أكتوبر/تشرين الأول، نُقدِّم كذلك حواراتٍ ثلاثية\[SJ2] [BK3] في المدارس الألمانية حول الصراع في الشرق الأوسط.
لماذا اخترتما المدارس؟
حسّون: الكثير من الناس في ألمانيا لديهم مشاعر قوية للغاية، عندما يتعلَّق الأمرُ بالصراع في الشرق الأوسط. وكلما تصاعد التوتُّر بين إسرائيل والفلسطينيين، تحدث أعمالُ عنفٍ داخل ألمانيا أيضًا، تشهدُ عليها المدارسُ كذلك. نهدف بعملنا إلى إتاحة "مساحة شُجاعة" في المدارس، نُنصِت فيها إلى التلاميذ، فهُم بحاجة إلى مكانٍ يُتيح لهم التحدُّث عن الصراع في الشرق الأوسط، وعن إسرائيل، وعن فلسطين، وعن معاداة السامية وعن العنصرية المُعادِية للمسلمين بطريقةٍ تأملية ومريحة ولا علاقة لها بالدرجات المدرسية.
هوفمان: أهتمُ كثيرًا بتوفير هذا النوع من مساحات الحوار في المدارس، حيث يمكننا الحديث عن الموضوعات والصراعات المثيرة للجدل، فنحن في المدرسة نبني ديمقراطيي المستقبل. العالم مليءٌ بالكثير من الأزمات التي تمسُ المخاوفَ العميقة لدى التلاميذ. وإذا لم نخلق مساحةً يمكنهم فيها معالجة هذه المخاوف ومناقشتها دون تحيُّز، حينها ينتابني قلقٌ كبيرٌ بشأن الاندماج في مجتمعنا.
ما طبيعة عملكما في المدارس على وجه التحديد؟
هوفمان: نجري تدريباتٍ مختلفة مع تلاميذ الصف الثامن فما فوق. وبالاستعانة ببطاقات المشاعر، نمنح التلاميذَ الفرصةَ للتعبير عن مشاعرهم فيما يتعلَّق بالصراع في الشرق الأوسط. نناقشُ معهم الأحداثَ المفردة، مثل الهجوم على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول. أين كنتم في هذا اليوم؟ كيف ترون الصور التي تنتشرُ على وسائل التواصل الاجتماعي حول العالم؟ أيُّ مشاعر تثيرها تلك الصور في نفوسكم؟ ونخوض في الحديث عن ذلك مع الطلاب بسرعةٍ نسبيًا.
حسّون: نخلقُ مساحةً يستطيعُ فيها التلاميذُ مشاركةَ مخاوفهم وتجاربهم معنا. ولا يُسمَح للمعلمين بالانخراط في الحوار الثلاثي مع التلاميذ، فهذا مهمٌ جدًا بالنسبة إلينا. نستمع جيدًا ونرتب ما يُقال ونضعُ الأمورَ في نصابها الصحيح. لا نستطيعُ في ألمانيا تغييرَ الوضع على أرض الواقع. ولكن ما يمكننا تغييره هو كيفية تعاملنا مع الصراع في الشرق الأوسط، وكيف نتعامل مع اليهود الألمان والفلسطينيين الذين يعيشون في ألمانيا.
كيف تغيَّرت طبيعةُ النقاش في ألمانيا حول الصراع في الشرق الأوسط منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول حسب رأيكما؟
حسّون: أرى أن الحوارَ يميل إلى الاستقطاب على جميع المستويات. إما أن تكون مُؤيِّدًا لفلسطين أو مناصِرًا لإسرائيل. وتدور النقاشاتُ حول معاداة السامية، والعنصرية وإنكار الهويات. إنها حقيقةٌ للأسف، أنه لا يهم عددُ الحقائق وحجمُ المعرفة ومقدارُ التمايز الذي نجلبه معنا، فالمحرّضون أقوى وأسرع ويحظون بالنصيب الأكبر من الإنصات – خاصةً عبر منصات التواصل الاجتماعي، لذا علينا كمجتمع أن نسأل أنفسَنا، كيف ننجح في إنشاء حوارٍ أفضل وبنّاء وأكثر تمايزًا. أعتقد أننا نستطيعُ فعلَ ذلك. ولذلك نستثمر أنا وشاي كلَ دقيقةٍ من وقتنا للاقتراب من هذا الهدف أكثر فأكثر.
أيُّ أَوجُه الصراع في الشرق الأوسط يُساء فهمها كثيرًا من وجهة نظركما؟ وكيف تتعاملان مع مثل هذا النوع من سوء الفهم؟
حسّون: يعتقد الكثيرون أن الصراعَ يدورُ حول دولتين. إنهم لا يعرفون حتى أن الصراعَ في الشرق الأوسط يدور في دولةٍ واحدة فقط. هم يعرفون على الأقل كيف تأسَّست دولةُ إسرائيل وأن النيةَ موجودةٌ فعلاً لحل الدولتين. ولكن تعوزهم غالبًا المعرفةُ الأساسية بأسباب الصراع. وكثيرون لا يعرفون شيئًا تقريبًا عن الفلسطينيين. كما تغيب المعرفةُ الأساسية باليهودية. أواجهُ كثيرًا أحكامًا مُسبَّقة مفادُها أن الفلسطينيين يكرهون اليهودَ عمومًا أو أن اليهودَ والعرب لا يستطيعون العيشَ معًا. ولا يعرفُ سوى أشخاصٌ قليلون أن حوالي 20% من المواطنين الإسرائيليين هم من الفلسطينيين.
ما التعليقات التي تتلقياها من المدارس؟
حسّون: ردود الفعل من المدارس غامرة؛ إذ قلما تستحوذ صراعاتٌ دوليةٌ أخرى على مثل هذا القدر من المشاعر، الذي يستأثر به الصراعُ في الشرق الأوسط. يشعر المعلمون بامتنانٍ عارم، لأننا حملنا عن كاهلهم هذه المهمة.