طاقة خضراء من الصحراء
تسعى ألمانيا إلى تحقيق التحول في مجال الطاقة باستخدام الهيدروجين "الأخضر". المغرب يحظى بدور محوري في هذا المشروع.
"نفط المستقبل" أو "المادة الخام المحورية" حسب وصف السياسيين الألمان خلال عرضهم خطة الهيدروجين القومية 2020: الهيدروجين الأخضر، أي الهيدروجين المستخرج بالاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة. لهذا السبب تعول الحكومة الألمانية الاتحادية في تحول الطاقة مستقبلا على الوقود الصناعي المستخرج من الهيدروجين الأخضر.
يمكن التوصل من الهيدروجين إلى منتجات الطاقة المعروفة باسم " Power-to-X-Produkte" (PtX)، مثل الغاز والكيروسين إضافة إلى مواد أولية يمكن استخدامها في الصناعات الكيميائية. وقد كان العائق في وجه هذا الأمر حتى الآن الاستهلاك الكبير من الطاقة الضرورية من أجل التحليل الكهربائي للماء، أي تفكيك الماء إلى عنصريه الأوكسجين والهيدروجين بواسطة الكهرباء. الآن تريد الحكومة الألمانية حل مسألة الطاقة من خلال الاعتماد على الطاقة الشمسية المستوردة من خارج البلاد. "تعتبر بلدان شمال أفريقيا بشكل أساسي مواقع مناسبة للإنتاج، حيث تسطع الشمس هناك بشكل لا نهائي تقريبا"، حسب غيرد مولر، وزير التنمية الألماني. "نعمل الآن بالتعاون مع المغرب على تطوير أول محطة صناعية لإنتاج الهيدروجين الأخضر في أفريقيا".
الوزارة الألمانية الاتحادية للتنمية الاقتصادية والتعاون (BMZ)، وضمن إطار استراتيجية الهيدروجين القومية قامت بالاتفاق مع المغرب على "تحالف من أجل تطوير قطاع طاقة PtX". ويحتل المغرب الصدارة بين بلدان أفريقيا من ناحية التوسع في اعتماد مصادر الطاقة المتجددة، كما يهتم منذ سنتين بشكل مكثف بمسألة الهيدروجين الأخضر، حسب متحدثة باسم الوزارة.
طاقة شمسية من ورززات
يرتبط المغرب مع ألمانيا بعلاقات شراكة في مجال الطاقة منذ زمن بعيد. في مدينة ورززات تم بمساعدة ألمانية تأسيس أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم. وهي توفر الطاقة الكهربائية لما يصل إلى 1,3 مليون إنسان. "الهيدروجين الأخضر هو الاستمرارية المنطقية للجهود المغربية في مجال الطاقة المتجددة، ولهذا السبب سرعان ما أثمرت المباحثات"، تقول المتحدثة.
من المفترض أن تحقق المحطة الأولية قوة تحليل كهربائي تعادل حوالي 100 ميغاواط. للمقارنة: في ألمانيا تفيد بيانات وكالة الطاقة الألمانية إلى أن ما يزيد عن 30 مشروع أولي "طاقة إلى غاز" تصل استطاعتها الإجمالية إلى 25 ميغاواط. إلا أنه مازالت هناك حاجة إلى مرور بعض الوقت حتى يُمكِن أن نحصل على كميات كبيرة من الغاز والبنزين المنتج في المغرب بأسلوب مستدام. تخطيط المحطة مازال في مراحله الأولى. كما أنه لابد من توضيح موضوعات أساسية، مثل اختيار الموقع، والكميات المأمول تصديرها إلى ألمانيا.
استراتيجية الهيدروجين مع شركاء دوليين
وزير التنمية غيرد مولر مقتنع تماما بالفعالية والآثار الإيجابية للمشروع. "بهذا نخلق في المغرب فرص عمل لكثير من الشباب، ونعزز الريادة التقنية لألمانيا، كما نساعد بشكل فعال في الاقتراب من أهداف المناخ الدولية"، قال الوزير خلال تقديم استراتيجية الهيدروجين. بل إن وزير الاقتصاد الألماني الاتحادي، بيتر ألتماير ذهب أبعد من ذلك في تقييمه لأهمية التقنية بالنسبة لموقع ألمانيا المتميز. "مع استراتيجية الهيدروجين نرسي قواعد متينة لكي تحتل ألمانيا المرتبة الأولى عالميا، على صعيد تقنيات الهيدروجين".
كل هذا لن يكتب له النجاح بدون الشركاء الدوليين. "الحاجة المستقبلية لألمانيا من مواد الوقود الحيادية لجهة المناخ وغاز الاحتراق لا يمكن تغطيتها بشكل كامل من مصادر الطاقة المتجددة المتوفرة حاليا. لهذا السبب سوف تكون ألمانيا بحاجة على المدى المتوسط لاستيراد منتجات PtX"، حسب مصادر وزارة BMZ. هنا يبرز الدور المحوري للدول الشريكة في التعاون التنموي الألماني. "بدون شمس أفريقيا لن يكون بمقدورنا تحقيق جميع أهدافنا"، تؤكد المتحدثة باسم الوزارة.
التنمية الاقتصادية من خلال مصادر الطاقة المتجددة
لن يكون التعاون مجرد طريق باتجاه واحدة نحو ألمانيا، حسب تأكيد الحكومة الألمانية الاتحادية. إنتاج الهيدروجين الأخضر وغيره من منتجات PtX يمنح فرصا جديدة للتنمية الاقتصادية أمام البلدان النامية والبلدان الصاعدة الغنية بمصادر الطاقة المتجددة. وبشكل أكثر تحديدا يمكن تعزيز القيمة المضافة المحلية، وتبني قطاعات اقتصادية جديدة وضمان أمن الطاقة في المناطق المعنية. ولكن الهيدروجين بالنسبة لألمانيا ليس هو دوما ذات الهيدروجين: وزارة BMZ تدعم فقط الهيدروجين الأخضر، وليس الهيدروجين المستخرج من مصادر الطاقة التقليدية. وهذا بالتحديد ما يسعى إليه التعاون مع بلدان، مثل المغرب، تتوفر فيها أفضل المتطلبات والشروط اللازمة لتحويل الشمس إلى الطاقة.