إلى المحتوى الرئيسي

في وسط ألمانيا

ربما تكون مدينة كاسل المدينة الأكثر شهرة بين المدن الألمانية غير المعروفة. استكشاف جميلة مجهولة، تتحول في العام 2012 إلى إيقونة الفنون باستقبالها معرض دوكومنتا.

作者:彼得-马蒂亚斯•盖德, 13.08.2012
© picture-alliance/Zucchi

كاسل حركت في العالم الكثير والكثيرين، بحيث يجب أن تكون في الواقع مدينة في قمة الشهرة. ولكن من يتنبه إلى عبارة "صنع في" المكتوبة على قاطرات وعربات القطارات، أو على جسور عبور الركاب، وعربات حمل الحقائب أو محاور السيارات أو القطارات السريعة؟ قدمت كاسل من كل هذه المنتجات الكثير لمختلف الأسواق العالمية، منذ أن قام عامل في إحدى ورشات التعدين يتدرب على صب الأجراس يدعى كريستيان كارل هينشل بإنتاج شيء ما، أطلق عليه فيما بعد اسم "التنين" الذي بدأ يسير على سكة التطور في القرن التاسع عشر. بعد ذلك بمائة وخمسين عاما غادرت القاطرة رقم 33333 المدينة، حاملة شعار "صنع في" كاسل، رغم كل المنافسة. لم يسبق للصينيين أن تحركوا بهذه السرعة التي يستمتعون بها اليوم بفضل قطار "ترانس رابيد" السريع، الذي يتم تصنيعه أيضا في كاسل.

كان على المدينة الصغيرة بسكانها البالغ عددهم 195000 نسمة أن تجتذب المهندسين والعمال والمساحين، وتسحرهم بالسماء والأرض. هنا، في المنطقة المؤلفة من 913 حي، قام أول مرصد أوروبي ثابت: في العام 1560، قبل غرينفيش بمائة عام وعلى سطح أحد القصور. هنا، في كاسل تم لأول مرة قياس الثانية بدقة. هنا بدأ في العام 1588 المهاجر السويسري يوست بورغي بصناعة ساعات الكواكب والكون وابتكار اللوغاريتمات. هنا أمام مبنى أوتونيوم، (وهو أول مسرح ثابت في ألمانيا، ومازال قائما حتى الآن) قدم الفرنسي دينيس بابين أول مضخة بخارية مزودة بمكابس، وهي التي كانت الخطوة الأهم نحو الآلة البخارية التي قادت أوروبا نحو الثورة الصناعية. هنا نصبت أولى فوانيس الشوارع في ألمانيا، الأمر الذي أثار حتى ملك الشعر الألماني الكبير "غوتة". وفيما بعد قام شخص يدعى روبرت فيلهيلم بونزن بالتدريس في هذه المدينة، في كلية البوليتيكنيك. وهنا قدم رودولف ديزل لأول مرة أمام جمع من الخبراء محركه الجديد: محرك ديزل (العامل بالمازوت)، وذلك في العام 1897.

وماذا عن أنصار الاستبداد؟ هم أيضا لم يكن أمامهم سوى الإطراء على كاسل، في حال امتلاكهم القدرة على التسامح، وقبولهم النظر إلى شيء آخر غير قصر فرساي. ففي العام 1713 قام الصائغ يوهان يواكوب أنتوني بعد أربع سنوات من العمل المضني بإنجاز تمثال ضخم من صفائح النحاس بارتفاع 8,25 مترا بمحيط صدر وصل إلى خمسة أمتار، يصور فيه هرقل على هرم أحد قصور الرياح، والذي يتخذ شكلا مثمنا، ومازال حتى اليوم شامخا في حديقة بيرغ بارك القديمة في منطقة فيلهيلمسهوهة. في العام 1728 ألحق حمام الرخام الفاخر بقصر أورانجيري وهو يحمل بصمات النحات الفرنسي بيير إتيين مونو ليصبح مكان الاستحمام المفضل للكونت كارل. ومع إتمام أعمال البناء في العام 1779 تم افتتاح متحف فريدريسيانوم الذي كان أول متحف يفتح أبوابه للعموم في أوروبا، بينما كان متحف اللوفر لا وجود له حتى على الخريطة.

هل كانت بورجوازية كاسل شاحبة فقيرة في المقابل؟ ليس تماما. في 1755 ولدت هنا على سبيل المثال دوروتيا بيرزون، التي قدمت للعالم حكايات الإخوة غريم، التي وصلت إلى 30 حكاية شعبية، ولم يكن هذا الأمر هو السبب الوحيد في أن ينشط الإخوة غريم بشكل أساسي في مدينة كاسل. كان لمدينة كاسل محطة اجتماعية أسسها فيليب شايدمان الذي نادى في العام 1918 لقيام الجمهورية. كما أن هذه المدينة كانت أحد الخيارات لإقامة عاصمة الجمهورية الاتحادية، إلا أن الخيار قد وقع على مدينة بون فيما بعد. في 1948 اجتمع هنا، في هذه المدينة بالذات، مجلس سري من الخبراء والحقوقيين وقرر تبني المارك الألماني عملة للدولة. وفي 1970 شهدت المدينة لقاء تاريخيا جمع المستشار الاتحادي فيلي برانت مع رئيس وزراء ألمانيا الديمقراطية DDR فيلي شتوف، وكان لقاء مثيرا للحوار بين الألمانيتين.

إلا أننا الآن قد تجاوزنا كل هذا التاريخ. فالنظرة الموجزة إلى تاريخ هذه المدينة الحافل تبين انقطاعا في هذا التاريخ، توجب على المدينة تجاوزه حتى تتمكن من استعادة شكلها ودورها. الجرائم الفاشية المروعة التي نالت من المدينة، التي عانت جنون الغضب الذي عانته كل المدن، بسبب معارضتها آلة التدمير والإجرام. كاسل، مدينة الآلات، المدينة التي تحولت قاطرات القطار فيها إلى دبابات، وتحول فيها رائد الطيران فيسلر إلى صواريخ مدمرة، عانت أكثر مما عانته معظم المدن الألمانية. 40 هجوما لطائرات الحلفاء المدمرة، كان أعنفها في تشرين الأول/أكتوبر 1943، حيث تم تدمير 80% من المدينة، بما في ذلك كل تراثها من العصور الوسطى. وبعد انتهاء الحرب، كانت كاسل غارقة في أكوام الدمار، ورغم موقعها في وسط ألمانيا وجدت نفسها على الهامش، مجرد مدينة قريبة من الحدود (مع ألمانيا الشرقية). تلك الحدود التي يبدأ خلفها عالم آخر تسوده الشيوعية. تحولت كاسل إلى جزء من الشتات، مدينة هامشية في أقصى شمال ولاية هيسن. إلى درجة أن المرء كان يتحدث عن "سيبيريا هيسن" عندما يفكر بمدينة كاسل، وذلك لمناخها البارد مقارنة ببقية مناطق الولاية، وبعدها عن مركزها.

انهارت ثقة كاسل بنفسها بعد الحرب العالمية الثانية. ولفترة طويلة اختفت من الوعي والإدراك - سواء في داخل البلاد أو في خارجها - أهمية كاسل التاريخية والفنية، وشوق المدينة وتطلعها بأمل نحو المستقبل، رغم ما أصابها من الدمار. وذلك مع العديد من الأخطاء الجمالية، التي لا تبدو كذلك بتدقيق النظر. وإنما هي في الواقع شواهد على التاريخ، حكايات ممتعة عن المدينة، تناقضات مثيرة. واليوم؟ من يحب الأشكال البسيطة، والاهتزازات الخفيفة، يمكنه الاقتراب من كاسل، من أية جهة كانت، وبأية وسيلة. هنا تكثر الجبال الوديعة والغابات الكبيرة، ليست كثيفة مظلمة، وإنما خضراء، فقط خضراء. هنا المدخل إلى المدينة من الجوانب الصعبة عبر مناطق توحي بأنها مدينة كبيرة ذات تجمع سكاني هائل، بسبب التجمعات الصناعية التي تبدو قرب مداخلها. ثم ما يلبث المرء أن يرى في وسط المدينة الكثير من الحرية. الانفتاح والهواء العليل، شفافية ولكن بدون حرج أو تصنع. لا وجود لأية مظاهر الفخامة أو التباهي. بل أكثر من ذلك، مع القليل من التمعن تبدو هنا 1100 سنة من التاريخ، أكثر مما تظهر عليه للوهلة الأولى. إلا أن كاسل ليست هايدلبيرغ، ليست طبقا من فضة يمكن الاطلاع عليه سريعا، وليست بعذوبة مدينة رونتبورغ أوب دير تاوبر.

لماذا كاسل؟ خبراء وساسة النقل سوف يشيرون إلى أن هذه المدينة أصبحت في وسط ألمانيا بعد عودة الوحدة الألمانية منذ عقدين. حيث تقع عند التقاطع الأهم لشبكة الطرق الرئيسية على شكل حرف T الذي سيصبح قريبا على شكل حرف X، ليربط الاتجاهات المختلفة بشكل أفضل. ترتبط كاسل بكل من فرانكفورت في الجنوب وهانوفر في الشمال بالقطار السريع ICE، وهما على مسافة قريبة نسبيا، حتى تكاد المدينة تبدو وكأنها من ضواحي المدن الكبيرة، بفضل ارتباطها القريب والسريع منهما. وفي دار البلدية يسعد المرء بوجود شركات عالمية مثل فينترشتال، S+K، وبوجود مصنع فولكسفاغن على مقربة من المدينة، وهو ما يحقق أدنى مستويات للبطالة منذ عشرات السنين. كما يسعد المرء بعائدات ضرائب الشركات التي تعود إلى السلطات المحلية، ويسعد بشكل خاص لوجود الجامعة التي تضم الآن أكثر من 20000 طالب وطالبة، والتي تساهم في تحول المدينة إلى واحد من مراكز تقنيات المستقبل. شركة SMA للتقنية الشمسية تتيح وحدها 6000 فرصة عمل، كما أن مؤسسة الأبحاث فراونهوفر لها هنا أحد المعاهد، وهو مركز للأبحاث الدقيقة "تقنيات نانو".

أخيرا يبدو أن البنية الأساسية في المدينة تقوم بشكل صحيح، وهذا ما يؤثر بالتأكيد على البنية الثقافية التي تحلق في سماء المدينة، أحيانا على علو مرتفع، بحيث يبدو أن لا علاقة بين البنيتين. في تشرين الثاني/نوفمبر 2011 تم افتتاح المعرض الجديد في منطقة "Schöne Aussicht" التي تعني بالعربية (المشهد الجميل). وهي لا تحمل هذا الاسم فقط، بل تتمتع بهذه الصفة بالفعل أيضا. وقد تم عرض الكلاسيكية الحديثة، والانطباعية الألمانية، وأعمال يوزف بويس. ومن المفترض أن يتم الافتتاح الجديد لمتحف الإخوة غريم في قصر بيلفو خلال العام 2012. متحف تاريخ الصناعة ينمو منذ العام 2002. وعند بوابة شارع فيلهيلمسهوهر الذي يمتد ستة كيلومترات أمام تمثال هرقل، يتم الآن تجديد مكتبة مورهاردشة، التي تضم مجموعة قيمة من المخطوطات المهمة. وإلى الأعلى، حيث تمتد منطقة فيلهيلمسهوهة، التي يطلق عليها منذ سنوات حمام فيلهيلمسهوهة بسبب الينابيع المنتشرة فيها، تتم الآن صيانة القطعة الفنية الأثمن في المدينة. أكثر من 200 مليون يورو استثمرت ولاية هيسن في "عالم المتاحف" في كاسل، والذي يتمثل في 550 هكتار من منتزه جبلي، ويعتبر مشهدا طبيعيا فريدا من نوعه في أوروبا.

في القصر، الذي كان مسكن جيروم بونابارت، والمسكن الصيفي للقيصر الألماني: مجموعات أثرية وأعمال لأساتذة كبار من أمثال ريمبرانت وهالس. في قلعة لوفنبورغ: رومانسية الفرسان الغوطية الحديثة. بينهما معبد ميركور وصومعة سقراط، ومعبد أبولو، وكهف زيبيلة، وجزيرة الورود التي تعود إلى 1790، وبيت الباليه المبني في 1810، إضافة إلى البيت (البلاستيكي) الزراعي المبني منذ العام 1822 من الحديد والزجاج، والذي يتلألأ تحت الأضواء. وحتى الآن يتحقق في كل صيف حلم الكونت كارل، الذي تأثر بمشهد المياه من رحلة إلى إيطاليا، وأمر هنا، على ارتفاع 550 مترا عن سطح البحر ببناء كهوف وبحيرات يسيل فيها الماء مارا ببحيرات صغيرة وقنوات، متسلقا إلى نافورة تعلو 52 مترا. لعبة ساحرة من أواخر القرن الثامن عشر تقوم فقط على قوة جريان المياه صعودا وهبوطا.

يأمل سكان كاسل أن يساعد كل هذا على إثارة انتباه المدن الكبرى في العالم لهذه المدينة في جبال شمال ولاية هيسن في العام 2013: ففي العام 2013 من المفترض أن تقوم منظمة اليونيسكو بتصنيف هذه البقعة من الأرض الواقعة عند أقدام هرقل، على أنها جزء من الإرث الثقافي العالمي.

لو قرأ متخصص في الدعاية هذا الموجز عن مدينة ما، فإنه سيفقد صبره. ما هو الأمر الذي يحتفل به في المدينة، والذي يعرفه الكثيرون عن كاسل، حتى أولئك الذين لا يعرفون الكثير عادة؟ هذه المدينة تحمل اسم "مدينة دوكومنتا". كاسل هي "مدينة دوكومنتا" الذي يقام كل خمس سنوات منذ العام 1955، وسيقام في العام 2012 للمرة الثالثة عشرة. وهو المعرض العالمي الأهم للفن المعاصر، ويقام دوما في كاسل. 100 يوم، 750000 زائر. 100 يوم من الشهرة، ثورات صغيرة، أعمال متميزة، مراجعة الماضي وتطلع إلى المستقبل، حوار ونشوة وإعجاب. بساطة الوجود وتعقيدات التفكير الشامل. هنا، تماما هنا في بقعة جغرافية واحدة. 100 يوم تستنشق فيها المدينة منذ 1955 هواء "العالمية" العليل، حتى تنقطع أنفاسها، وتعود إلى عالم النسيان. ولكن يزداد الانطباع مع الوقت، بأن دوكومنتا ليس كل ما تمتلكه كاسل وتفاخر به. وهذه الحقيقة تشكل بحد ذاتها بصيص أمل للمدينة الواقعة وسط الغابات الألمانية.

بيتر ماتياس غيدة هو رئيس تحرير أكبر مجلة ألمانية للتحقيقات والتقارير، مجلة جيو "GEO" وحامل جائزة إيغون-إرفين-كيش. وهو يشعر اليوم بانتماء شديد إلى مدينة كاسل. هناك أمضى غيدة سنوات المدرسة وخاض أولى تجاربه في الصحافة من خلال استوديوهات راديو هيسن في المدينة.

http://www.kassel.de