إلى المحتوى الرئيسي

لسان أوروبا

مازال الاتحاد الأوروبي بعيدا كل البعد عن اللسان الواحد. التفاهم يتم من خلال آلاف المترجمين.

20.10.2014
© European Union 2012 EP - Language, Translators

هل طلبت مرة في أحد المطاعم "الخاصرة مع تفاح الأرض"؟ قلة قليلة جدا سوف تفهم هذه الكلمات، حتى في ألمانيا، رغم أنها كلمات ألمانية. ولكن كثيرين شاهدوا هذا الطبق بالتأكيد. فالموضوع هنا هو طبق من لحم الخاصرة مع البطاطا. ولكن يستخدم المرء هنا هذه الكلمات "الغريبة" لأن الطبق نمساوي، ولابد أن تكون المصطلحات "الأصلية" نمساوية أيضا. إلى جانب 21 مصطلح محلي باللغة الألمانية، وصلت هذه الكلمات حتى إلى سجلات الاتحاد الأوروبي. منذ 1995، السنة التي انضمت فيها النمسا إلى الاتحاد الأوروبي تتمتع هذه الكلمات الثلاث والعشرون بالاعتراف القانوني: أي أنها تظهر في النصوص الرسمية على قدر المساواة مع أية كلمة فصحى أخرى. ويشكل هذا الأمر بالنسبة للنمساويين تصرفا رمزيا بالدرجة الأولى. حيث لم يتوجب عليهم التخلي عن الكثير من مصطلحاتهم "الغذائية" بعد دخولهم الاتحاد الأوروبي، تماما كما لم يتخلوا عن هويتهم الثقافية.

 

فالاتحاد الأوروبي هو في الواقع مجموعة من الثقافات واللغات المختلفة. لا يوجد منظمة أخرى في العالم تقوم على هذا التنوع اللغوي إلى هذه الدرجة. إن هذه التعددية اللغوية مترسخة حتى في المعاهدات الأوروبية. كل مواطن في الاتحاد الأوروبي له الحق في التواصل باللغات الرسمية للاتحاد وأن يتلقى الجواب بذات اللغة التي صاغ بها سؤاله. وتحت عبارة اللغة الرسمية يفهم المرء حاليا 24 لغة رسمية، هي اللغات الرسمية المعتمدة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حاليا. تتم ممارسة هذه التعددية اللغوية عمليا من خلال الآلاف من المترجمين العاملين لدى الاتحاد الأوروبي. "من الصعب تحديد عددهم بشكل دقيق. حيث أن لكل مؤسسة من مؤسسات الاتحاد الأوروبي فريق الترجمة الخاص بها، ناهيك عن المترجمين الأحرار الذين يحصلون على عقود للترجمة، وهم من غير الموظفين لديها"، تقول غورلي هاوشيلت. الدنماركية هي واحدة من بين ستة مدراء عاملين في خدمات الترجمة في المفوضية الأوروبية وتدير قسم اللغات الأوروبية الإجرائية الثلاث: الإنكليزية والفرنسية والألمانية. "تتمتع هذه اللغات الثلاث بأهمية متميزة، حيث تستخدمها المفوضية في مباحثاتها الداخلية"، حسب توضيح المديرة.

 

غوريل هاوشيلت تعرف تماما عدد العاملين في إدارتها العامة: المجموع 2400، غالبيتهم من المترجمين. يتمتع التفاهم في الاتحاد بأهمية كبيرة: لا يوجد قسم آخر في المفوضية لديه عدد أكبر من الموظفين العاملين هنا. لا يوجد حدث في مفوضية الاتحاد الأوروبي يمكن أن يفوت غوريل هاوشيلت وفريق عملها. ففي لحظة ما، لابد أن يصل كل شيء إلى مكاتب المترجمين. حيث أن أي تغيير في قوانين الاتحاد الأوروبي يجب أن تتم ترجمته إلى جميع اللغات الرسمية. أيضا خطابات رئيس المفوضية، والبيانات الصحفية والرسائل التي يرسلها مواطنو الاتحاد، والإجابات التي يتلقونها من المفوضية على تساؤلاتهم واستفساراتهم، وكذلك نصوص الصفحة الإلكترونية وغيرها الكثير، يجب أن تتم ترجمتها، حتى وإن لم يكن ذلك إلى جميع اللغات.

 

سيدة ساهمت بعملها في كتابة تاريخ الاتحاد الأوروبي بكل ما في الكلمة من معنى، هي مارغريت ماير-لوزة. قبل 36 عاما بدأت عملها كمترجمة لدى المفوضية الأوروبية وعاشت عن قرب كيف تحولت المجموعة الاقتصادية الأوروبية (EWG) المؤلفة من ست دول فقط، إلى اتحاد يضم اليوم 28 دولة. اليوم تعمل بشكل رئيسي في مجال التنظيم: مارغريت ماير-لوزة تدير قسم اللغة الألمانية في فريق الترجمة التابع للمفوضية الأوروبية وتشرف على 120 موظفا. ومنذ عام 2004 على أبعد تقدير باتت تعرف تماما حجم الجهود الجبارة التي تختفي وراء توسع الاتحاد الأوروبي. في ذلك العام انضمت ليتوانيا إلى الاتحاد، وبات قسم اللغة الليتوانية الجديد خاضعا أيضا لإدارة مارغريت ماير-لوزة. "لا شك أنه مع كل لغة رسمية جديدة يزداد حجم العمل وتعقيداته"، تؤكد عن خبرة ومعرفة. قلما يتم استخدام موظفين جدد. وعند الحاجة يتعلم الموظفون لغة إضافية جديدة. بهذا يمكن المحافظة على التكاليف عند مستوى معقول: موازنة الإدارة العامة للترجمة تشكل حوالي 1% من إجمالي موازنة الاتحاد الأوروبي. كما أن مديرة قسم اللغة الألمانية ترى أن بعض القيم والجهود والمنافع لا يمكن تقديرها بالمبالغ المالية: "كل عضو جديد في الاتحاد يثير لدينا شحنة جديدة من الطاقة. غالبا ما نتعامل مع شباب متحمس وأفكار جديدة. وهذا يولد تأثيرا حماسيا إبداعيا كبيرا".

 

سواء موظفون من ليتوانيا أو مالطا أو كرواتيا: غالبا ما يتم التواصل في الحياة اليومية باللغة الإنكليزية. رغم ذلك: تتمتع اللغة الألمانية بقيمة مميزة في الاتحاد الأوروبي، وذلك ليس فقط لأنها لغة إجرائية وتأسيسية. فمن خلال ما يقرب من 90 مليون إنسان يتكلمونها تُعَتَبر الألمانية اللغة الأم الأكثر انتشارا في الاتحاد الأوروبي. أندرياس هوش، من فريق الترجمة التابع لماير-لوزة، يقدر في لغته الأم بشكل أساسي الوضوح والغنى اللغوي: "غالبا ما يتطلع مترجمو اللغات الأخرى إلى ترجمتنا عندما لا يتمكنون من فهم النص الأصلي. حيث التعبير غير الواضح، يكاد يكون غير ممكن في لغتنا الألمانية". بالإضافة إلى ذلك تتميز الألمانية بأنها لغة ذات تنظيم جيد وواضح جدا. قلما يوجد قواعد أخرى تتيح احتمالات وتراكيب نحوية متعددة مثل الألمانية. السلبية وراء هذا التنوع في الإمكانات: "على عكس بقية اللغات يكاد لا يكون بإمكاننا اعتماد الترجمة الآلية. قواعد لغتنا تشكل معضلة حقيقية لبرامج الترجمة الآلية"، حسب هوش.

 

يعجز الكومبيوتر وبنوك المعلومات أيضا عندما يكون للمصطلحات أكثر من معنى، بحيث تبرز مخاطر الالتباس، كما هي الحال في المصطلحات التخصصية القانونية على سبيل المثال، التي يكون لها في أحد بلدان الاتحاد معنى مخالفا، ولا يمكن تبنيها في النصوص القانونية للاتحاد الأوروبي هكذا ببساطة. هنا لابد من الإبداع، حيث يتوجب على المترجمين ابتكار مصطلحات جديدة لم يكن لها وجود من قبل. حتى أن "اختراعاتهم" من الكلمات الجديدة تثير أحيانا جولات من الحوار. "Flexicurity" تشكل حسب هوش مثالا على ذلك. إلا أن الاتحاد الأوروبي مازال بعيدا كل البعد عن تبني لغة موحدة. المديرة غوريل هاوشيلت تفضل الحديث عن رسالة موحدة وقيم جامعة، مثل الديمقراطية والتسامح: "إنها تمنح أوروبا صوتها الموحد والمتميز في العالم".