إلى المحتوى الرئيسي

المُنادي من أجل "أوروبا الموحدة"

تقرأ في هذه المقابلة الحصرية عن سبب مطالبة وزير الخارجية هايكو ماس بدور أكثر فاعلية ونشاطا للاتحاد الأوروبي. 

07.11.2018
وزير الخارجية الألماني الاتحادي هايكو ماس
وزير الخارجية الألماني الاتحادي هايكو ماس © Dominik Butzmann/laif

السيد الوزير، غالبا ما تشهدون خلال محادثاتكم ما تعقده الدول الأخرى من توقعات وتعلقه من آمال على أوروبا. وبشكل خاص فيما يتعلق بموضوعات التجارة الحرة وحماية المناخ والهجرة. ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه المجموعة الأوروبية اليوم في السياسة الدولية؟
قيمة أوروبا الحقيقية يدركها أحيانا الناس في خارج أوروبا بشكل أفضل مما نفعله نحن. إنهم يرون بكل وضوح إنجازاتنا الأوروبية: السلام والحرية والديمقراطية، وبالتأكيد الازدهار والرخاء، وقوة الإبداع والضمان الاجتماعي. لهذا السبب يتوقعون منا بطبيعة الحال ألا تكتفي أوروبا بالنظر إلى الداخل فقط، وإنما أن تلعب أيضا دورا فاعلا على المستوى العالمي. وهذا ضروري جدا. بالاتحاد والتعاون والعمل المشترك وحده يمكن لأوروبا أن تكون وازنة ومؤثرة، وأن تحقق النجاح على المستوى الدولي في سعيها للتجارة العادلة وحماية المناخ المستدامة ووضع قواعد مشتركة وعادلة حول مسالة الهجرة. عندما يتحدث الاتحاد الأوروبي بصوت واحد، سوف يسمعنا الآخرون.

ما هي المهمات الأكثر أهمية التي يتوجب على الأوروبيين القيام بها مجتمعين؟
تكمن الفرصة المتميزة للعمل المشترك في أوروبا هناك، حيث تقف الدول القومية في مواجهة تحديات عالمية. حيث أن كل دولة منفردة تُعتَبَر لوحدها أصغر من أن تكون قادرة على مواجهة هذه التحديات. هذا ممكن فقط عندما نكون مجتمعين. فقط عندما نقوم بصياغة السياسة الأوروبية الاقتصادية والمالية بشكل اجتماعي، يمكننا تحقيق الوعود بالرخاء والازدهار في القارة الأوروبية. وهنا يتوجب علينا الاستمرار في العمل، وأن نجعل من منطقة اليورو متينة ومُحَصّنة في مواجهة الأزمات بشكل دائم. وبذات الأهمية يتوجب علينا الاهتمام بوضع سياسة دولية للهجرة، على أساس توزيع عادل للأعباء والمسؤوليات. ففي نهاية المطاف يتوجب علينا أن نكون قادرين على التصرف في مجال السياسة الخارجية، بصفتنا قارة واحدة، في عصر يواجه فيه مجمل النظام القائم على القواعد والأسس تهديدا وجوديا. وهذا يعني: يجب علينا تحمل المزيد من المسؤولية عن أمننا، والسعي من أجل استقرار جيراننا ووضع ثقلنا المشترك في المفاوضات مع شركائنا، وخاصة فيما يتعلق بالشراكات الصعبة.

ما هي إمكانات الحلول التي ترونها واعدة في مجال السياسة الاقتصادية والمالية؟
بصفتها أكبر مُصَدّر في العالم تكاد ألمانيا تستفيد من اليورو ومن التجارة البينية أكثر من أي بلد آخر في الاتحاد الأوروبي. الاقتصاد والرخاء الذي يتمتع به الناس يحققان نموا مستمرا، أيضا بفضل الاتحاد الأوروبي. لهذا السبب يجب علينا تقوية منطقة اليورو بشكل مستدام، وإصلاحها بما يضمن الصمود بشكل أفضل في وجه الأزمات العالمية. حيث يتوجب علينا على سبيل المثال تطوير آلية الاستقرار الأوروبية. وبالتحديد نحتاج أيضا إلى مزيد من الاستثمار في سيدات ورجال الأعمال الشباب، كما يجب علينا محاربة البطالة بين جيل الشباب بشكل فعال وحازم. لا يجوز أن يكون هناك في داخل أوروبا "أجيال ضائعة". على صعيد السياسة التجارية أعمل من أجل تجارة حرة عادلة، توفر الازدهار، وفي ذات الوقت تحمي وتُرَسّخ معاييرنا الاجتماعية. من المهم لهذا السبب الحفاظ على النظام التجاري الدولي وتعزيزه، من خلال قواعد موثوقة وملزمة للجميع.

يشكل موضوع سياسة الهجرة إحدى المسائل الأكثر إلحاحا في البلدان الأوروبية. هل ستبقى حدود أوروبا مفتوحة؟
لا يجوز أن نسمح لمسالة الهجرة أن توقع الشرخ بين الشركاء في أوروبا. إذا ما رفضت بعض البلدان استقبال اللاجئين، فإنه سوف يتوجب عليها تقديم المزيد في جوانب أخرى، على سبيل المثال في محاربة أسباب اللجوء التي من الضروري جدا أن نواجهها جميعا، وبكثير من الحزم والتضامن. كما يجب علينا أيضا العمل باستمرار على حماية حدودنا الخارجية، ولا يجوز أن نترك إيطاليا واليونان وحيدتين. ولكن بلدان استقبال اللاجئين خارج أوروبا، مثل الأردن ولبنان يجب أن تنال منا المساعدة أيضا. وعلى هذا الصعيد تدرك ألمانيا مسؤوليتها الكبيرة بصفتها ثاني أكبر المانحين للمساعدات الإنسانية في العالم. ولكن هناك مكسب مهم غير قابل للنقاش بالنسبة لي: الحدود البينية داخل أوروبا يجب أن تبقى مفتوحة. إنها الرمز الأقوى للحرية، والأكثر ملامسة لحياة الناس اليومية في أوروبا.

كيف يمكن لأوروبا أخيرا تحقيق التوافق في موضوعات السياسة الخارجية وتبيان قدرتها وقوتها؟ هل لديكم مقترحات محددة بهذا الخصوص؟
لقد أكدت الولايات المتحدة بشكل واضح – وهذا ليس فقط مع قدوم الرئيس ترامب – بأنه يتوجب علينا نحن الأوروبيين في المستقبل أن نتحمل مزيدا من المسؤولية عن أمننا الخاص. خلال اجتماع الجمعية العمومية لمنظمة الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2018 ساد شعور بأن هناك مصطلح للنظام الخارجي في طريقه إلى الزوال. لهذا السبب يجب علينا تعزيز سياسة الأمن والدفاع الأوروبية. الهدف هو تحقيق الوحدة الأمنية والدفاعية الأوروبية، التي تشكل دعامة أوروبية للشراكة عبر الأطلسي، بحيث يمكن في المستقبل لكل من الأوروبيين والأمريكان اعتماد كل منهما على الآخر.

Dieses YouTube-Video kann in einem neuen Tab abgespielt werden

YouTube öffnen

محتوى ثالث

نحن نستخدم YouTube، من أجل تضمين محتويات ربماتحتوي على بيانات عن نشاطاتك. يرجى التحقق من المحتويات وقبول الخدمة من أجل عرض هذا المحتوى.

فتح تصريح الموافقة

Piwik is not available or is blocked. Please check your adblocker settings.

ما هي الخطوات التي تم تحقيقها في هذا الحوار القديم فعليا؟
لقد أُنجِزَت هنا الخطوات الأولى المهمة، على سبيل المثال من خلال تأسيس التعاون الدائم المنظم للتطوير المشترك للقدرات العسكرية. إلا أن جوهر السياسة الخارجية والأمنية الأوروبية هو الإدارة المدنية للنزاعات. نحن نسعى لكي نصل إلى موافقات ملزمة من دول الاتحاد الأوروبي من أجل تعزيز القدرات والكفاءات المدنية. وإلى جانب مهمات الاستشارة والتدريب المدنية القائمة نريد تأسيس "جهاز تعزيز الاستقرار الأوروبي". وعلى صعيد اتخاذ القرارات في بروكسل يتوجب علينا التفكير في إتاحة المجال إلى اتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية بالغالبية.

ما هو الضروري أيضا كي تنجح أوروبا في نشر وتحقيق قيمها، في عالم تزداد فيه باستمرار النزعات القومية والشعبوية والاستقطابات الراديكالية؟ هل يتوجب على أوروبا إصلاح ذاتها؟
بداية يجب أن تؤكد السياسة الأوروبية وأن تجعل ذلك ملموسا عمليا، أن العولمة وبالتالي تآكل بنى النظام القائم، ليست من الظواهر الطبيعية الحتمية التي يتوجب علينا أن نواجهها بلا حول ولا قوة. بل إنه يمكننا تشكيلها وبناؤها، وذلك بشكل يلحظ معه الناس التحسينات الجديدة ويشعرون بها. هذا هو الرد الأمثل على الحلول البسيطة العدائية التي يطرحها الشعبويون الذين يُعَوّلون على العزلة والتجزئة والانفصال. يجب علينا المواجهة مجتمعين، وهذا يحتاج إلى الشجاعة. بالنسبة لي، يشكل تماسك أوروبا المفتاح إلى ذلك. وحده الاتفاق والاتحاد في الداخل ينعكس قوة واستقلالية نحو الخارج. عندما تكون الأحوال الداخلية بخير، ويحكمها الاحترام المتبادل، يمكننا النجاح في مواجهة المهمات الدولية. نحتاج إلى أوروبا كبيرة، لا تميز بين البلدان الكبيرة والصغيرة، ولا بين المركز والأطراف. كل بلد على حدة صغير، أصغر من القدرة على فعل التغيير.

في أحد الخطابات قلتم أن رد أوروبا على "أمريكا أولا"، الشعار الذي اتخذه الرئيس ترامب، يجب أن يكون "أوروبا الموحدة". كيف يمكن لأوروبا أن تجد هذه الوحدة الجديدة؟ حيث يوجد الآن العديد من المواقف المتفاوتة، وفي العام القادم نواجه مشروع بريكست ...
بالنسبة لي هناك أمر مؤكد: لقد حان الوقت لإعادة تقييم الشراكة بين أوروبا والولايات المتحدة: نريد شراكة متوازنة. الأطلسي أصبح أكثر اتساعا من الناحية السياسية، إلا أن أمريكا أكثر من مجرد البيت الأبيض. الآن بشكل خاص يجب علينا لهذا السبب زيادة الاستثمار في العلاقة مع الولايات المتحدة من أجل تجديدها والحفاظ عليها. نريد تولي المزيد من المسؤولية، والمشاركة بالمزيد من الثقل، في المواقع التي تتراجع فيها أمريكا وينحسر دورها. الاتحاد الأوروبي يجب أن يتحول بصفته "أوروبا الموحد" إلى دعامة أساسية في النظام العالمي، وإلى شريك للجميع الملتزمين بهذا النظام والمؤمنين بالتقدم والتطور من خلال التعددية. لهذا السبب فإن الاتحاد الأوروبي مدرك بأن النجاح في الصراع من أجل الإجماع على المواقف والاتحاد والتعويضات قد جعلنا أكثر قوة. وقد كان الاتفاق النووي مع إيران الذي نريد نحن الأوروبيون الدفاع عنه، اختبارا مهما.

 مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في آذار/مارس 2019 ينسحب للمرة الأولى في تاريخ الاتحاد الأوروبي أحد الأعضاء من الاتحاد. لا يمكن تقييم هذا الأمر على أنه إشارة إيجابية على الإطلاق.
من المؤسف كثيرا قرار المواطنين في المملكة المتحدة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. أنا أرى هذا الأمر على أنه "خسارة في خسارة" للجميع، على الرغم من أن الشعور بآثار بريكست سوف يكون في بريطانيا بالتأكيد أكبر منه كثيرا في الدول الأخرى الباقية في الاتحاد الأوروبي.  والآن يتوجب علينا العمل على تحقيق أفضل النتائج الممكنة من هذه الحال: على الجانب الأول يتمتع الحفاظ على تماسك الاتحاد الأوروبي وتطويره، وخاصة السوق البينية بأهمية قصوى. وعلى الجانب الآخر نتطلع جميعا بعد إتمام الانسحاب إلى شراكة طموحة مع بريطانيا، وهذا أمر لا شك فيه إطلاقا.

 ما الذي يمكن أن تقدمه ألمانيا بالتحديد من أجل رأب الصدع الذي بات ينتشر في أوروبا؟
تريد ألمانيا تعزيز التضامن في أوروبا وتجاوز ما يؤدي إلى التقسيم. ولكي تنجح هذه المساعي يتوجب على ألمانيا التحرك. نحن أيضا لم نكن دوما على صواب فيما نفعل. لا يجوز أن نتخلى إطلاقا عن مبادئنا، مهما كانت الظروف. في ذات الوقت يجب أن نتعلم أن نرى أقوى بعيون الأوروبيين الآخرين. وهذا ينطبق على سبيل المثال على بلدان وسط وشرق أوروبا. أنا أتفهم أن تكون ردود أفعال الناس هناك حساسة، عندما يرون سيادتهم وحريتهم وهويتهم المكتسبة حديثا في خطر، على سبيل المثال بسبب مسألة الاندماج. أيضا دول جنوب أوروبا لها نظرتها الخاصة. فهي مازالت تعاني حتى الآن من تبعات الأزمة المالية ومن معدلات البطالة المرتفعة بين جيل الشباب. يجب علينا أن نفهم هذه الرؤى، إذا ما أردنا تجاوز ورأب الصدوع في أوروبا. لا نحتاج إلى لعب دور المعلم، وإنما إلى تقديم عروض ذكية تحقق تكافؤ المنافع، وإلى سياسة أوروبية يستسيغها الناس وتجلب لهم تحسنا ملموسا.

بصفتهما البلدين الأكبر في الاتحاد الأوروبي، يُنتَظر دوما من ألمانيا وفرنسا بشكل خاص، أن تلعبا دور المحرك في أوروبا، وأن تعملا على تعزيز قوتها. الرئيس ماكرون يطالب بإصلاحات. ما هي المبادرات الموجودة حاليا، وما هي الخطوات القادمة؟
التصور عن المحرك الألماني الفرنسي مازال صحيحا، ولكن عندما نلعب دور المشجع وليس دور المعلم الذي يملي أوامره. الإصلاحات في الاتحاد الأوروبي ممكنة فقط بالتنسيق الوثيق مع فرنسا. فقط عندما تتمتع برلين وباريس بالشجاعة الكافية وتتعاونان بشكل أفضل وأكثر شمولية في مجالات الاقتصاد والمال والطاقة والأمن، يمكن أن يلحقهما الآخرون. لهذا السبب أعلنت ألمانيا وفرنسا في حزيران/يونيو في بيان مشترك عن خطة موجزة لإصلاح الاتحاد الأوروبي. وتتضمن الخطة تعزيز السياسة الخارجية والأمنية. وحتى في موضوعات اللجوء والهجرة تعمل ألمانيا وفرنسا من أجل التوصل إلى حل على المستوى الأوروبي: نريد التعاون مع الدول الأم ودول العبور، وحماية الحدود الخارجية وبناء نظام أوروبي موحد في مجال اللجوء، على أساس المسؤولية والتكافل والتضامن. وفي موضوع الاقتصاد نريد تطوير آلية الاستقرار الأوروبية. كما نعمل أيضا على تحضير معاهدة إليزيه جديدة. ومن أجل "أوروبا الموحدة" نحتاج إلى تكاتف متين مع فرنسا.

سوف نقوم بصياغة عضويتنا في مجلس الأمن بشكل أوروبي إلى أبعد الحدود

سوف يكون لألمانيا صوتا في مجلس الأمن الدولي خلال السنتين القادمتين، من خلال شغلها مقعد غير دائم في المجلس. إلى أي حد سيكون هذا الصوت هو صوت أوروبا أيضا؟
 سوف نقوم بصياغة عضويتنا في مجلس الأمن بشكل أوروبي إلى أبعد الحدود، ونساهم بهذا في أن تبرز أوروبا المستقلة ذات السيادة كعنصر فعال في التوصل إلى الحلول المتعددة الأطراف لمختلف القضايا على المستوى الدولي. عندما نتحدث في مجلس الأمن، فإننا نريد أن نكون صوتا لجميع الدول الأعضاء، رغم كتابة اسم ألمانيا على اللوحة الاسمية. وهذا يعني أننا سوف نقوم بالتشاور بشكل أكثر كثافة مع باقي الدول الأعضاء، لكي نجسد موقفا مشتركا يكون أكثر أوروبية من السابق.

 ما هي الإنجازات الأوروبية الأكثر أهمية بالنسبة لكم شخصيا؟
 بالنسبة لي، فأنا مازلت أعتبر أن الإنجاز الأكبر هو أن الحرب في أوروبا باتت بالنسبة لنا اليوم من الأمور التي لا يمكن تصورها. في بداية دراستي في ساربروكن، الواقعة مباشرة عند الحدود مع فرنسا دعانا رئيس الجامعة آنذاك للذهاب إلى موقع معركة فردان الشهيرة الذي لم يكن يبعد كثيرا عن المدينة. وهذا ما قمت به بالفعل: من يشاهد موقع فردان ربما يستطيع أن يتخيل قيمة السلام والمصالحة في أوروبا، التي لا تقدر بثمن. بعد حربين عالميتين وسنوات التجزئة، عاد غرب أوروبا وشرقها اليوم للتوحد تقريبا: هذا الأمر بالنسبة لي هو الإنجاز الأكبر للاتحاد الأوروبي. هذه الجهود يجب أن تكون حافزا يوميا حقيقيا لنا على فهم السلام والديمقراطية على أنهما ليسا من الأمور البديهية، وإنما من قيمنا الأوروبية التي لابد من النضال من أجلها.

 سيادة الوزير، شكرا على هذا اللقاء.

 أجرت الحوار جانيت شايان

Newsletter #UpdateGermany: You would like to receive regular information about Germany? Subscribe here to: