اختبار الطوباوية
مهرجان برلين علاقات خارجية يفتح للرواد والسباقين العالميين في فن الأداء والتمثيل خشبة مسرح متميزة

ما الذي يحتاجه الفن؟ سؤال يبدو للوهلة الأولى بسيطا. الجواب الأكثر شمولية ومواءمة قدمته البلجيكية فري ليسين، التي كانت في العام 2012 أول مديرة لمهرجان العلاقات الخارجية الذي يعتبر أحد نشاطات مهرجان برلين للمسرح: التفكير في احتياجات الفنان، ومنحه مكانا وفضاء مناسبا، والربط بين عدة أعمال لجعلها أشبه بمسيرة لتطوره. هذه الفكرة شكلت المعطى الأساسي لبرنامج مهرجان فن الأداء المعاصر الذي بات اليوم يتمتع بشهرة عالمية واسعة، وبقي موضوعه الشاغل، حتى في ظل المدير الحالي ماتياس فون هارتس.
مهرجان العام 2015 على سبيل المثال سمح بالغوص في 30 عاما من تاريخ المسرح الطليعي الرائد، وذلك من خلال العروض الأولى للمخرج والدرامي البلجيكي يان فابرة، ومن خلال مجموعات الأداء نيدكومباني وفورسد إنترتينمنت. ومن خلال العلاقة مع الفن التشكيلي وموسيقى البوب، والعمل على عصر الرواية، الذي يمكنه هذه المرة التمدد كثيرا عبر 24 ساعة من أداء "جبل أوليمبوس"، مع احتفاظه بحق التخلي عن الأشكال التعبيرية في التمثيل، لصالح الطقوس الخلاقة للمجتمع، تمكن هؤلاء الرواد في فن الأداء من التأثير بشكل كبير على المسرح، وصولا إلى تغيير مفهوم كلمة المسرح.
مهرجان العلاقات الخارجية ركز خلال أربع سنوات من قيامه حتى الآن على شخصيات مثل صانع المسرح الجنوب أفريقي بريت بايلي، ومصمم الرقص الفرنسي بوريس شارماتز، ومتحفه الراقص، والممثلة الإسبانية المتطرفة في الأداء، أنجيليكا ليدل. إضافة إلى مصمم الرقص ذي الأصول الإسرائيلية هوفيش شيشتر، حيث أفسحت له خشبة المسرح المجال من أجل الربط بين نقد الحاكم وأسلوب الرقص الديناميكي.
بهذا يكون المهرجان في الواقع منتدى لكشف المواهب الجديدة أقل من كونه فرصة للتلاقي المتعمق، علما أن العديد من هؤلاء الفنانين كان لهم حضور في مسرح برلين هيبل أم أوفر، أو في مهرجان برلين، قبل ذلك. هنا تتاح للفنانين والجمهور، وكذلك للكثير من الطلبة الحاضرين بين صفوف الجماهير، فرصة اختبار طوباوية الفنانين. ففي تأدية "جبل أوليمبوس" على سبيل المثال، بقيت الحال على الفصل بين خشبة المسرح والمكان المخصص للجمهور، على عكس ما كان الفنان يان فابرة يتمناه. ولكن يمكن متابعة كيفية عدم تحقق مثل هذه الأفكار، وإثارة التفكير حول فشل الفكرة المأمولة، واستنباط أشكال جديدة وأساليب رواية مختلفة، مما يثير الشكوك حول الخط القديم الفاصل بين الحداثة وما بعد الحداثة.
ماتياس فون هارتس، تمكن في هذا المهرجان من تحقيق نجاح كبير حتمي، حسبما أكد توماس أوبريدنر، مدير مهرجان مسرح برلين، الذي قال عنه: أنه قد نجح في اجتذاب جمهور أكثر شبابا بشكل واضح، إلى مسرح المهرجان القديم في غرب برلين. وهذا يعود أيضا بالتأكيد إلى الحفلات الموسيقية، حيث كان بمقدور الجمهور على سبيل رؤية المثال فرقة إندبندنت الألمانية أو المغنية البرازيلية المبدعة ديلون، ابنة الخمسة وعشرين ربيعا. ولكن قبل كل شيء، كانت أجواء ومناخات المكان والتواصل مع مجموعات الطلبة الزوار الذين تركوا الانطباع بأن الفن وتاريخه ليس فقط من أجل الاستهلاك، وإنما يمكن أن يكون موضوع حوار ونقاش أيضا.