"الثقافة يمكن أن تكون الرباط الذي يجمع المجتمع"
ثيباوت دو شامبري مدير المعهد الفرنسي في ماينز، يرى في الثقافة تأثيرا شافيا.

1- السيد دو شامبري، لا تجد أوروبا نفسها الآن في مواجهة أزمة نقدية وحسب، وإنما أيضا أزمة هوية ثقافية. ألم تحن الآن ساعة الثقافة، ساعة طرح الأفكار الكبيرة المهمة؟
أوروبا ليست في مأمن. ولكن هذا ليس أمرا جديدا.المسألة هي شعور عميق من عدم الأمان، يصيب الثقافة في عمقها، بشكل يشبه المعتقد. النتيجة هي: صخب وضجيج وسيطرة الموضة وضياع الاتجاهات. يمكن للثقافة أن تلعب دورا إيجابيا شافيا، إذا ما ساعدت على تسريع عملية ظهور الفضول والإعجاب، وشرح وترسيخ المغزى.
2- ما هو فعليا الرابط الذي يجمع الثقافة الأوروبية، إذا ما وضع المرء الروابط التاريخية جانبا؟
عندما لا نعود نعرف الأسس، أو لا نريد معرفتها، فإننا سوف نبحث كثيرا عن الأسس الرابطة والجامعة. ولكننا لن نجد شيئا. لا يمكن أن يوجد اليوم أو الأمس، بدون الثقة والنظرة إلى الماضي. تيودور هويس، الرئيس الاتحادي الأول لألمانيا التي كانت تولد من جديد "بعد البروسية" قال ذات يوم: "أوروبا هي الأكروبوليس وكابيتول وغولغاتا". هل ندرك هذا الأمر اليوم؟
3- البطالة، اليأس وفقدان الأمل. ماذا يمكن للثقافة أن تفعل في مثل هذه الأجواء؟
الثقافة يمكن أن تكون "الرباط" الذي يجمع المجتمع، والأساس المؤثر فيه، عندما تبحث عن الحوار مع مختلف الناس، حتى مع أولئك غير المثقفين، وكذلك مع الجوانب المختلفة من التخصصات، من علماء اللاهوت إلى مهندسي العمارة، وصولا إلى المؤرخين وعلماء الاقتصاد. عليها البحث عن المهم والجوهري، بكل تواضع، بروح التعاون، بدون أحكام مسبقة.
4- هيكتور آباد، الكاتب الكولومبي، عبر مؤخر عن مخاوفه أن تكون أوروبا قد فقدت سحرها الذي ميزها في السنين الأولى. وهو يرى في هذا الأمر خطورة أن يقوم الشعبويون بإعادة الاتحاد إلى الكوابيس القومية للقارة. هل هذه نظرة نموذجية "من الخارج"؟
لا، لم تنجح أوروبا في الماضي بإثارة الإعجاب فقط، كما أنها ليست اليوم فريسة النظرة السلبية فقط. في الواقع، يريد كل الأوروبيين أوروبا أيضا اليوم. إلا أن هناك ضرورة لحفظ التوازن بين الأعلى والأسفل. يريد الناس قرارات سياسية قريبة منهم وتتوافق مع أفكارهم. لا يمكن للاتحاد الأوروبي الوصول إلى هذا المستوى، دون إثارة قوى وأحداث معارضة. يجب إذا خلق شيء من التبعية والولاء. دور الاتحاد الأوروبي هو في الحفاظ على السلام وفي البحث الدؤوب عن الأفكار والآراء، وأيضا في الدفاع عن المصالح الأوروبية. وعندما يكون كذلك، سوف يحظى بالمزيد من القبول.
5- هل لديك تصورا عن أوروبا باعتبارها موقعا يتوق إلى الثقافة؟
أوروبا بالنسبة لي هي الشوق إلى طبيعة هضبية متعرجة، حيث ينمو التوازن بين الريف وبين زحام المدينة، حيث يؤخذ في الاعتبار كل من الإنسان والطبيعة، حيث التناسبات والحصص المعقولة والصحيحة تبين أنه لا مكان للمبالغة والهدر. حيث حركة "الوجبة البطيئة" (بعكس الوجبة السريعة) تعبر عن معارضة الناس لفساد استخدام الطبيعة والمدينة، هذه هي أوروبا التي ربما يتم بناؤها اليوم.
6- كيف تقيم الأجواء في بلدك الأم؟ وكيف تتجاوب مع هذا من خلال برنامج عملك ونشاطك في ألمانيا؟
لا أنظر إلى وطني بمعزل عن المكان الذي أعمل وأعيش فيه. هذه هي أوروبا التي أعيشها. يضم برنامجنا مجالات ونشاطات منوعة، عابرة للزمن. أي أنها لا تنحصر في مواجهة أو شرح موضوعات آنية. هذه هي الثقافة، كما أفهمها. وهكذا فقط، يمكننا أن نجد إجابات على أسئلة العصر.
7- تبلغ الصداقة الألمانية-الفرنسية من العمر 50 عاما هذا العام: هل تم حل كل ألغاز الجوار؟
الحمد لله أنه مازال هناك الكثير بحاجة للاستشكاف، في أعماق الذات، كما عند الآخر. لن تبقى العلاقة مثيرة، سوف تصبح كذلك الآن حقا. ففي الواقع نحن لا نعرف الكثير عن البلد الآخر، كما ندعي أو نتظاهر في بعض الأحيان.
ثيباوت دو شامبري هو مدير المعهد الفرنسي في ماينز. متخصص في العلوم السياسية والقانون الدولي، ويتمتع بخبرة دبلوماسية، كما أنه يعتبر خبيرا في الشؤون الألمانية.