إلى المحتوى الرئيسي

أسباب من أجل أوروبا

رغم أزمة اليورو ومشكلة المديونية: لا يوجد أي بديل عن الاتحاد الأوروبي. داعية من أجل أوروب

13.08.2012
© Trippel/laif

 

لا يواجه الاتحاد الأوروبي (EU) حاليا أزمة نقدية وحسب، وإنما أزمة قبول أيضا. حيث تشير منحنيات استطلاعات الرأي خلال الشهور الماضية إلى انخفاض ملحوظ. هل مازال الاندماج الأوروبي فعلا أمرا مفيدا وله جدوى؟ هذا ما يتساءله الكثيرون. بينما تعمل المفوضية الأوروبية بكل جد ونشاط على تخفيض تكاليف مكالمات الهواتف الجوالة في الخارج، وتبني رقم هاتف موحد للطوارئ هو 112، يسمع الناس في نشرات الأخبار عن اجتماعات قمة لإنقاذ اليورو، حيث تسود الخلافات حول طرق الخروج من الأزمة، ويكثر الجدل حول الأعباء المالية والاجتماعية القائمة أو القادمة، والتي ترتبط جميعها بأوروبا بطريقة أو بأخرى. يمكن للمرء بالطبع أن يطرح السؤال: "هل ما زلنا بحاجة للاتحاد الأوروبي حتى الآن؟"، ويمكن للمرء أن يجيب أيضا، وبكل ثقة "نعم!". هنا عشرة أسباب باختصار.

 

 

 

الاتحاد الأوروبي هو ضمانة السلام في أوروبا

 

هذا الشعار موضع تهكم الكثير من منتقدي الوحدة الأوروبية، لأن السلام على الأقل في وسط القارة غي معرض لأي تهديد. هذا صحيح، لحسن الحظ. وهو بالذات جاء نتيجة لسياسة الاندماج الأوروبية. إلا أن استمرار هذه الحال إلى الأبد، في حال انهيار الاندماج ليس شيئا مضمونا. هل يمكن للمرء بعد 60 عاما من بناء للبيت وترسيخ له، إزالة أساس وقواعد هذا البيت؟

 

 

 

الاتحاد الأوروبي يدعم السلام العالمي

 

يعاني كوكبنا من الحروب والعنف، ومن الجوع والأمراض. لا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يمنع كل هذه الأمور. ولكن من خلال جهوده في مجال التعاون التنموي والمساعدة في حالات الكوارث يساهم الاتحاد الأوروبي في مواجهة هذه المشكلات. الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء يعتبرون أهم مقدمي المعونات والمساعدات للدول النامية، حيث يدفعون حصة الأسد من موازنة الأمم المتحدة كما يشاركون في مهمات السلام الموكلة إليها. شراكتها مع دول أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا قادت أحيانا إلى تحقيق هدف بناء البنى الاقتصادية المستدامة ومحاربة الفساد ودعم السياسة والإدارة الجيدة.

 

 

 

الاتحاد الأوروبي يضمن حرية أوروبا

 

تشكل المعاهدات الأوروبية وشرعة حقوق الإنسان الأوروبية قواعد واضحة، ويجب أن يبقى الأمر كذلك. وهنا يمكن الإشارة إلى بعض الحركات الشعبية في هذا البلد أو ذاك من دول الاتحاد التي تشكك الآن في جدوى المواقف الديمقراطية. إلا أن التمسك بعصا الاتحاد يمكن أن يواجه خطر انهيار الديمقراطية في إحدى دول الاتحاد. بعض المنظمات الدولية مثل المجلس الأوروبي، الناتو، أو منظمة OSZE لديها مجالس برلمانية استشارية. بينما لدى الاتحاد الأوروبي برلمان متكامل يتمتع بصلاحيات كاملة، وهو يجري انتخابه مباشرة من الشعب، الذي يمكنه التأثير في القرارات المتخذة ومنحها القوة القانونية اللازمة.

 

 

 

الاتحاد يضمن الحرية في أوروبا

 

نهاية أسبوع في وارسو، عمل مؤقت في أمستردام، إجازة في فرنيا، دراسة في آيسلندة. الاتحاد الأوروبي يجعل كل شيء ممكنا. ولكن المقصود بهذا فقط حرية حركة السفر بدون رقابة. المسألة تطال حرية التنقل والسكن والعمل بشكل عام، كما تشمل تنسيق وتوحيد أنظمة شهادات التخرج، وإمكانية نقل الحق في التقاعد والتأمين الصحي الأوروبي وغيرها الكثير، مما تتيحه إمكانيات التنقل الحديثة.

 

 

 

الاتحاد الأوروبي يرسم شكل أوروبا المستقبل

 

لم يعد بالإمكان إيقاف موجة العولمة، وهي تؤثر في أوروبا بشكل كبير جدا. قوى اقتصادية جديدة مثل مجمعة بريكس BRIC (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا) تطالب بالمشاركة في وضع النظام العالمي. ولا يمكن الآن منعهم من ذلك. إذا كانت أوروبا تريد أن يكون صوتها مسموعا في المشروع السياسي العالمي، فإنه يجب أن يتم ذلك في المستقبل ضمن مجموعة الاتحاد الأوروبي، وليس من خلال صوت قومي منفرد.

 

 

 

أوروبا هي السوق الأكبر في العالم

 

الحريات الأربع للأسواق الداخلية فيما بين الدول الأعضاء (للبضائع والخدمات والعمل ورأس المال) تضمن لكافة المواطنين خيارا واسعا في الاستهلاك، وإمكانات جيدة في الاقتصاد لكل من العاملين وأرباب العمل. هذا سيعني بالتأكيد أيضا مواجهة المنافسة بشكل مستمر. ما يصعب في الحالات الفردية أحيانا، يمكن أن يعتبر على مستوى أوروبا برنامج رياضي مستمر بشكل دائم، يمكن للجميع الاستفادة منه.

 

 

 

 

 

الاتحاد الأوروبي يصنع مستقبل أوروبا

 

لا يوجد أية مؤسسة أخرى تتمتع بالقوة والنفوذ اللازمين لتنظيم هيكلية مستقبل القارة. التجمع الذي يضم27 دولة، وقريبا 28، والمنطقة الاقتصادية الأوروبية، وسياسة الجوار الأوروبية نحو الشرق ونحو الجنوب، والشراكة الإستراتيجية مع روسيا، كل هذه الأمور لا يمكن تنفيذها وتحقيقها إلا من خلال اتحاد أوروبي قوي. مجموعة العشرين الكبار G20 التي تتحول إلى مجموعة التحكم والسيطرة على العولمة، تضم في عضويتها بالمناسبة الدول الصناعية التسعة عشر الأهم إلى جانب الاتحاد الأوروبي.

 

 

 

 

 

الاتحاد الأوروبي يحمي البيئة

 

لفترة طويلة كان تحول المناخ يعتبر اختراعا لبعض المضطربين والمبالغين من دعاة البيئة والطبيعة. ولكنه الآن أصبح حقيقة واقعة، وقد بدأت آثاره تتجلى في القطب الشمالي وفي منطقة المحيط الهادئ. من خلال القرارات الطموحة التي تسعى إلى تخفيف انبعاث الغازات العادمة وتوفير استهلاك الطاقة والتوسع في الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة يعطي الاتحاد الأوروبي دفعا قويا على المستوى العالمي من أجل المساهمة في محاربة الانحباس الحراري. صحيح لن يكون الاتحاد الأوروبي وحده قادرا على تحقيق النجاح، ولكن هذا النجاح لن يكون ممكنا إطلاقا بدون الاتحاد الأوروبي.

 

 

 

الاتحاد الأوروبي يدعم التنوع الثقافي

 

23، وقريبا 24 لغة رسمية يتم تداولها في الحياة اليومية. ولكن اللغة المختارة للاتحاد هي "الوحدة والتنوع". وهي تعبر عن مبدأ محافظة الشعوب والأمم على هويتها، ومساعدتها في ذات الوقت على الاستمتاع بالفوارق فيما بينها. إنه الغنى بهذه الثقافات المتعددة والعقليات المختلفة والأدب المتنوع كما الفن التشكيلي والموسيقى وقبول الديانات المختلفة، هو الذي يمكن كل إنسان من أن يجد موقعه في الاتحاد الأوروبي.

 

 

 

الاتحاد الأوروبي يضم اتحادا نقديا ناجحا

 

ربما يلف هذه العبارة في الوقت الحالي بالذات بعض من التشاؤم بالنسبة للكثيرين. ولكن الصعوبات التي تواجهها الوحدة النقدية معروفة وواضحة. ولا يجوز بسبب بعض الصعوبات الحالية التخلي عن الفكرة الأساسية التي لا تقوم على مجرد تخفيف رسوم التحويل والصرف بين العملات. لدى تبني الوحدة النقدية أهملت بعض الجوانب، وهي سبب معاناة الأوروبيين اليوم، كما وقعت بعض الأخطاء، وخاصة تلك التي نجمت عن عدم التزام دول اليورو السبعة عشر بالقواعد التي وضعوها بأنفسهم. مثل كل علاج، لابد أن تتسبب معالجة اليورو الحالية بآلام أكبر من آلام الوقاية. ولكن الجهود المبذولة ضرورية. مع السوق الداخلية البينية والوحدة النقدية، ومع حرية التنقل والإقامة ومع القيم الموحدة يفتح الاتحاد الأوروبي آفاقا واسعة أمام مواطنيه. والوحدة النقدية هي جزء من هذا المبدأ. وهذا هو سبب تمسك دول مثل بولونيا وبلغاريا بالانضمام إلى منطقة اليورو، رغم التطورات الحالية.

 

 

 

الخلاصة: مازال الاتحاد الأوروبي بعيدا جدا عن التحول إلى جنة الأرض. وكل بند من البنود الآنفة الذكر يمكن أن يكون عرضة للانتقاد والحوار والتطوير. الاتحاد ليس كاملا، ولن يكون كذلك في المستقبل. ولكنه بالتأكيد أفضل ما حققته أوروبا حتى الآن. علينا التعامل مع الاتحاد والعمل على تطويره. ولكن علينا أيضا أن نتجنب تدميره. كيف سيكون شكل البدائل المتاحة؟ يمكن أن يقول المرء أن سويسرا والنرويج تنجحان أيضا بدون عضوية الاتحاد الأوروبي. هذا صحيح، ولكن هذا النجاح له علاقة كبيرة أيضا بالاتحاد الأوروبي. هكذا يمكن للديمقراطيات أن تتطور في أوروبا، لأن القارة محمية بجدار متين يشكله الاتحاد الأوروبي. ليس من المصادفة إذا أن ترتبط كل من الدولتين بالاتحاد الأوروبي من خلال منطقة النمو الأوروبية (النرويج)، أو من خلال العديد من الاتفاقات الثنائية (سويسرا).

 

عندما ينهار الاتحاد الأوروبي لن يكون بإمكاننا جميعا أن نعيش مثل السويسريين أو النرويجيين، ولكن حتى هؤلاء لن يستطيعوا العيش في ذات البحبوحة التي يعيشونها اليوم.

 

 

 

من لا يريد أن يكرر مرة أخرى تجربة العام 1950، ويبدأ من جديد في محاولة جمع شتات دول متنافسة متناحرة، عليه أن لا يقامر بالاتحاد الأوروبي.

 

 

 

بروفيسور د. إكرت شتراتنشولتة يترأس الأكاديمية الأوروبية في برلين منذ العام 1993، وهو من خيرة أفضل الخبراء بأمور أوروبا.