إلى المحتوى الرئيسي

من الممكن أن نختار الشجاعة."

يوآخيم غاوك، الرئيس الألماني الاتحادي الجديد. رجل الآمال، في سطور.

作者:罗伯特•莱希特, 13.08.2012
© picture-alliance/BREUEL-BILD

من كان يجرؤ حتى على تصور هذا الأمر في العام 1989 أو 1990، بعد سقوط جدار برلين وزوال الحدود بين الألمانيتين، بأن ألمانيا الموحدة سوف تقودها شخصيتان تربت كلاهما في ظل ألمانيا الديمقراطية DDR؟ ولكن الأمر أصبح اليوم حقيقة. المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، هي أول سيدة تشغل هذا المنصب، والرئيس الألماني يوآخيم غاوك. هذه القيادة الألمانية الشرقية المزدوجة على رأس السلطة السياسية الألمانية تشكل خير تعبير عن تمام الوحدة الداخلية، في البلد الذي كان مقطع الأوصال بين شرق وغرب، كما تتمتع بأهمية رمزية ونفسية تختفي وراء الجهود المالية والسياسية الاجتماعية الهادفة إلى ترسيخ الشعور بالانتماء والمواطنة لأبناء الولايات "الشرقية الجديدة". بالإضافة إلى ذلك فإن أصول المستشارة والرئيس الجديد التي تعود إلى ألمانيا الديمقراطية السابقة تجسد قطع كل الجسور مع الديكتاتورية وتبني مقاومتها الدائمة، وتعطي إشارة مهمة للألمان في الداخل ولجيرانهم في الخارج، وأولهم جيراننا في وسط شرق أوروبا. وبعيدا عن المبالغة: إن كلا من أنغيلا ميركل ويوآخيم غاوك يتمتع بمصداقية كبيرة تضفيها سيرة ذاتية نضالية، وتجربة عشق الحرية التي تندمج مع الاستعداد والإصرار الدائم على ترسيخ دور ألمانيا في السلام الأوروبي، خاصة وأن كلا منهما يدرك تماما من خلال تجربته ورؤيته كم هو مدين لجيراننا الأوروبيين الشرقيين في خروجه من سطوة المجموعة الشيوعية وديكتاتوريتها. عندما يحاول المرء وضع تصور أولي للرئيس الألماني الجديد - الحادي عشر - فإن العلامات المميزة لهذه الشخصية تشكل في ذات الوقت بصمات مشتركة للسيرة الذاتية للرئيس يوآخيم غاوك و السيرة الذاتية للمستشارة أنغيلا ميركل، تماما كما تشكل الفوارق الأساسية بين الشخصيتين علامات تمكن مشاهدتها بشكل أسهل من خلال المقارنة والتناقض فيما بينهما. على الجانب الأول، وحتى العام 1989، فتاة رزينة متخصصة في العلوم التطبيقية، تدخل في ربيع العام 1990 معترك السياسة في فترة "التحول" الألماني، لتقتحم خلال فترة قصيرة جدا عالم الحياة الحزبية والبرلمانية، وتحتل في وقت مبكر نسبيا المناصب الحكومية، بعد أن كان المخضرمون في السياسة، وخاصة في غرب البلاد قد استهانوا بها كثيرا، بسبب عدم تمتعها بأية خبرات أو تجارب سياسية. ثم فاجأت الجميع بوصولها إلى أعلى المناصب السياسية، رغم عدم تملكها أسلوبا خطابيا متميزا (وربما لهذا السبب بالتحديد). وعلى الجانب الآخر نجد قسا يتمتع بخطابة مؤثرة وسنوات طويلة من الخبرة في الحياة، وعلى الرغم من جريان السياسة في عروقه، فهو لم يدخل أبدا معترك الصراعات السياسية والحياة الحزبية، وكأن التزامات الولوج في هذا المعترك السياسي كانت ستشكل خطرا مؤكدا على صوته الجهوري المؤثر.ثنائية سياسية، ثنائية خطابية، شخصان في شدة التناقض، رغم ما يجمعهما من عوامل مشتركة. بل إن التباعد بينهما ربما يكون في أقصاه رغم التقارب الذي تفرضه الخلفية البروتستانتية الألمانية الشرقية: هذا التقارب العجيب عبرت عنه أنغيلا ميركل بشكل رائع في خطاب الذي المديح الذي ألقته لمناسبة عيد ميلاد غاوك السبعين، عندما ذكرت بأنه قد قيل الكثير عن خطابته، إلى درجة تعتقد معها أن أفضل من يمكنه أن يلقي خطاب المديح هذا، هو غاوك نفسه. أحيانا يكون التهكم فعلا في غاية البلاغة. ولكن من أين أتى يوآخيم غاوك هذا، الذي تسلم رئاسة الجمهورية بعد استقالة مبكرة لرئيسين من قبله، والذي يريد إعادة البريق والرمزية إلى قصر بيلفو، بعد أن أحاطه الضباب وغطاه الغبار بسبب الفضيحة التي طالت سابقه، وهو مزود برصيد هائل من الثقة، ومحمل بآمال لا حصر لها، خاصة وأن الألمان يمكنهم أن يتحولوا بسرعة خارقة من احتقار السياسة إلى عبادتها، وبالعكس؟ يوآخيم غاوك من مواليد مدينة روستوك في العام 1940، السنة الأولى للحرب العالمية الثانية. أي أنه ينتمي إلى ما يعرف بجيل الحرب وجيل ما بعد الحرب، كما أنه من باكورة أطفال ألمانيا الديمقراطية الشيوعية. اعتقل أبوه في العام 1951 من قبل المخابرات الروسية، وحكم عليه مرتين بالأشغال الشاقة في سيبيريا لمدة 25 عاما. بعد أربع سنوات في المعتقل تم إطلاق سراحه، حيث كان من بين المعتقلين الذين تمكن المستشار كونراد آدناور من التوصل إلى تحريرهم خلال زيارته إلى موسكو في العام 1951. لا بد أن غاوك قد أدرك مبكرا معنى الحكم الجائر والقضاء الظالم، وترسخ ذلك في ذهنه. على أية حال لم ينتسب غاوك إلى أي من المنظمات الشبابية التي كان الانتساب إليها شبه إلزامي في دولة الحزب الشيوعي. وهذا ما حرمه فيما بعد من دراسة التخصص الجامعي الذي كان يرغب به، وهو دراسات اللغة الألمانية. وهكذا كانت دراسة علم اللاهوت من 1958 حتى 1965 هي البديل، إلا أنه لم يكن يوما بارعا في اللاهوتيات، التي كانت من المجالات القليلة المتمتعة بشيء محدود من الحرية، في ظل نظام ألمانيا الديمقراطية، وكانت تتيح خوض مواجهة دائمة مع النظام. إن بعض الحاسدين والمشهرين الجالسين في بروجهم العاجية، يعتبرون أنه من خلال عمله قسيسا كان عليه أن يناضل وأن يدخل السجن على الأقل بضع سنين، حتى يستحق تسمية "مناضل من أجل حقوق الإنسان". وهم يتناسون بذلك أن غاوك في ظل حكم الحزب الشيوعي ونظامه الأمني الصارم "شتازي" كان بمقدوره مساعدة الكثيرين من الناس في حياتهم اليومية. وأنه كان يتوجب عليه البحث عن هؤلاء والوصول إليهم من خلال تنقله من بناء لآخر، ومن شقة لأخرى في المجمعات السكنية الجديدة في روستوك-إفيرسهاغن. "صيادو الناس" عليهم أن يبدؤوا صغارا، ولكنهم بالإرادة ينجحون. على أية حال، من يراجع خطب يوآخيم غاوك وصلواته في حزيران/يونيو 1988 فإنه سوف يسمع عبارات مثل: "سوف نقرر البقاء، لو أنه سمح لنا الرحيل"، وهذا ما يقطع الشك باليقين: هذا الرجل يتمتع بجوهر حقيقي. كما كان قد تحدث بكل جرأة في 1983 في فيتنبيرغ ضمن مجموعة عمل صغيرة خلال يوم لوثر الكنسي. بعد التحول الكبير في 1989/1990 أصبحت الطريق إلى معترك السياسة جاهزة، ولكنه لم يدخلها أيضا. لعب غاوك دورا كبيرا في كشف ملفات وسجلات جهاز المخابرات في نظام ألمانيا الديمقراطية "شتازي"، من أجل إغلاق هذا الملف بشكل صحيح إلى الأبد، بدل الاكتفاء بمحاولة تحقيق مصالحة سريعة مرتجلة. كان يجب فتح هذه الملفات وإتاحة المجال للاطلاع عليها، كي يرى ضحايا النظام الشمولي كيف أن سيرهم الذاتية تعرضت من وراء ظهورهم للتشويه. وكذلك تجنبا لأن يتحول بعض ضحايا النظام إلى جناة، بسبب المعلومات الخاطئة الشائعة عنهم. عمل غاوك عشر سنوات، اعتبارا من 1990 على بناء الهيئة الرسمية التي منحها الشكل والمحتوى، كما منحها حتى اسمه الذي باتت تعرف به. مبدؤه الثابت: لا مساومات إلزامية يمكن أن يفرضها دخوله معترك الحياة الحزبية والبرلمانية. وهذا بالتحديد ما منحه اليوم رفعة أخلاقية يتفق عليها الجميع. إن حقيقة أن تعتبره كافة الأحزاب البرلمانية، باستثناء حزب صغير، هو الحزب اليساري، على أنه مرشحها لأعلى منصب في الدولة هي من المفارقات الأعجب في الحياة السياسية المعاصرة. حيث أن مثل هذا الإجماع على الترشيح يتم عادة بعد موافقات ومفاوضات وتوافقات لا حصر لها على الشخص. أما في حال يوآخيم غاوك، فإن الأحزاب على العكس من ذلك، كانت لها مشكلاتها معه، وسيكون لها معه مزيدا من المشكلات في المستقبل أيضا. لا أحد يستطيع احتواءه، ولا أحد يستطيع التحدث أفضل منه. فجأة أراد السياسيون من جميع الأحزاب شخصا مختلفا عنهم، ليجعلوا منه رئيسا للبلاد. ربما تولدت وجهة النظر هذه من إدراكهم بأنهم لا يقدرون على تقديم أحد من بين صفوفهم يصل إلى هذه السوية. ولكن هذا الخيار لا يمكن إلا أن يكون موفقا، لأن يوآخيم غاوك - مع اعتبار كل نقاط الضعف البشرية والبنيوية لابن السياسة - لن يقع أبدا ضحية لمحاولات كسب الشعبية من خلال اللعبة البرلمانية أو الصراع الحزبي. من تعرف في الخمسين من عمره على الديمقراطية وعاشها لأول مرة، فإنه، وحسب ما قال بعد انتخابه لن يضيع فرصة انتخاب، إلا وسيشارك فيها، كما أنه يدرك تماما أن الديمقراطية لا تحتاج إلى مجرد الحرية فقط، وإنما الحرية تحتاج أيضا إلى مؤسسات ديمقراطية صحيحة سليمة. تعرض منصب رئاسة الجمهورية في الفترة الأخيرة في نظر البعض من خلال الاستقالتين المبكرتين لكل من هورست كولر وبعده كريستيان فولف إلى شيء من التشكيك. ولكن ربما كانت "أزمة رئاسة الدولة" هذه تعبيرا خفيا عن أزمة يعاني منها نظامنا السياسي بكامله. ربما يشكل يوآخيم غاوك في آماله المعقودة على الحرية والمسؤولية الديمقراطية الفرصة الحقيقية لنقل هذه الأفكار إلى الألمان، وإلى ترسيخ ثقتهم بديمقراطيتهم الحرة وثقتهم بذاتهم، وبأن على كل مواطن أن يعمل من موقعه في سبيل ترسيخ هذه الأفكار والمبادئ. قال الكاتب الفرنسي إرنست رينان مرة أن تماسك الأمة يشكل استفتاء شعبيا يوميا. بهذا المعنى يمتلك يوآخيم غاوك العدة اللازمة والتفويض الشعبي الكامل ليكون رئيسا للجمهورية الاتحادية. روبرت لايشت، رئيس تحرير سابق للجريدة الأسبوعية المعروفة "دي تسايت"، وواحد من أشهر الصحفيين الألمان.