إلى المحتوى الرئيسي

مدرب من أجل السلم العالمي

مراقب أمم متحدة للانتخابات في منطقة غير مستقرة؟ يقوم مركز مهمات السلام الدولية (ZIF) في برلين بالتحضير لمثل هذه المهمات

Oliver Sefrin, 14.08.2012
© picture alliance/ZB

يبدو مبنى دار البلدية في دونارد مهجورا. ولكن قبل فترة وجيزة كان هذا المكان مسرحا لجريمة. غرفة خالية تقريبا في الطابق الأرضي: كرسيان وطاولة وزجاجات منتشرة بين الزوايا المختلفة، وأعقاب سجائر. رائحة التدخين والكحول تعبق في المكان، بقايا أصفاد معدنية وآثار دماء بادية على الأرض هنا وهناك. هل شهدت هذه الحجرة استجوابا عنيفا دمويا؟ هل كانت مسرحا لتعذيب وحشي لا إنساني؟ الكثير من المؤشرات توحي بهذا للوهلة الأولى. وللتمكن من معرفة ما جرى هنا بالفعل تقوم قوات الأمم المتحدة "UNIFIT" بجمع الأدلة ورفع البصمات والآثار في أسرع وقت. صامويل كيوموكاما من أوغندة يرتدي قفازات العمل ويركع أمام بعض بقايا القماش على الأرض. ثم يكتب رقما على بطاقة صغيرة بيضاء يضعها جانب الثياب: دليل الإثبات رقم 12. في الغرفة ذات الضوء الباهت يقوم زميله هانس هوفن من هولندة باستطلاع الأرض والجدران بواسطة مصباح الجيب، باحثا عن أدلة وآثار أخرى يمكن أن تساعد في معرفة ما حدث، وتمكن ربما من إعادة تمثيل الجريمة. في تلك اللحظة لم يكن الاثنان يدركان أن الموقع الذي سيظهر فيما بعد على أنه مقبرة جماعية على الأغلب، سيكون مكانا يخبئ لهما مفاجأة مقززة.

هذا هو الهدف من عملية أرض الغرب "Westland". الأوضاع التي تسود بعد عملية العنف، ليست هنا سوى مشهد تدريبي مفبرك: تمثيلية تحاكي الواقع الذي يمكن أن تواجهه مهمة حقيقية للأمم المتحدة. دونارد هي ليست في الواقع سوى أكاديمية برلين شموكفيتس. وقوات الأمم المتحدة UNIFIT، ليست رسميا سوى 20 عنصر من شرطي ومدع عام وقاض من 12 دولة، يتبعون الآن فترة تدريبية بوليسية ضمن إطار الاستعداد للمشاركة في مهمات حفظ السلام الدولية. الرد السريع للعدالة "JRR" هو الاسم الذي تحمله هذه الدورة التدريبية النظرية والعملية لمواجهة الحالات الواقعية. وهي تقوم بتأهيل خبراء مدنيين من حقوقيين ورجال شرطة، وحتى أطباء شرعيين، الذين سيقومون بمهمات الأمم المتحدة في دول يسود الاعتقاد أنها تشهد جرائم حرب، أو ترتكب فيها جرائم ضد الإنسانية أو تطهير عرقي. وتتلخص مهمتهم هناك: في جمع أدلة الإثبات والإدانة في أسرع وقت ممكن، حتى يتم استخدامها فيما بعد أمام المحكمة الدولية في دين هاغ.

يتم تنظيم هذه الدورة التدريبية التي تستغرق أسبوعا واحدا من قبل مركز مهمات السلام الدولية (ZIF) في برلين، الذي يعمل بالتعاون مع وزارة الخارجية الألمانية الاتحادية. ويحظى المركز بالاعتراف والتقدير كمعهد محترم لتجنيد وتأهيل الخبراء المدنيين لمهمات المراقبة وحفظ السلام الدولية، وكذلك أيضا لتحليل ودراسة مجالات مهمات حفظ السلام والوقاية من الأزمات ومواجهتها. وقد تم تأسيس ZIF في العام 2002 ضمن إطار أزمة البلقان في أواخر تسعينيات القرن الماضي. وفي كوسوفو تم الطلب إلى ألمانيا إرسال خبراء مدنيين اختصاصيين، ولكن لم يكن هناك في ذلك الوقت عددا كافيا من الأشخاص المؤهلين القادرين على الشروع في مثل هذه المهمة خلال فترة قصيرة نسبيا. واليوم أصبحت الحال أفضل: ففي عام 2008 شارك 241 خبير مدني ألماني في تدعيم وتقوية أكثر من 40 مهمة من مهمات حفظ السلام الدولية، كما عمل 265 ألمانيا كمراقب للانتخابات لصالح الاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون. وهو تطور لا يعود فقط لجهود مركز ZIF، الذي يؤكد مديره فينريش كونة: "لم تحصل جهود القوى والخبراء المدنيين بالاهتمام والتقييم الكافي في السابق. نحن نقوم سنويا بتأهيل حوالي 200 مشارك من دول عديدة يشاركون في عشرة إلى اثني عشر دورة تدريبية." ويتضمن البرنامج دورة تمهيدية حول مهمات حفظ السلام، ودورات لمراقبي الانتخابات أو التخصص في دورات تأهيلية متعلقة بدولة القانون أو بأساليب التفاوض والوساطة أو إدارة المشروعات.

ويقدم معهد ZIF بالتعاون مع مركز تدريب الجيش الألماني للمهمات الخارجية دورات تدريبية في المجال الأمني، كما يتعاون مع شركاء آخرين ضمن إطار مشروع تدريبي للاتحاد الأوروبي. منذ عام 2004، وبتفويض من الحكومة الألمانية الاتحادية، وبالتعاون مع الهيئة الألمانية للتعاون التقني (GTZ) يقوم مركز ZIF بتقديم الدعم لجهود حفظ السلام وتفادي الأزمات ومواجهتها في غرب أفريقيا. ومن الشركاء أيضا مركز كوفي أنان الدولي للتدريب على حفظ السلام في مدينة أكرا (غانا) والمجموعة الاقتصادية الغرب أفريقية ECOWAS.

"لا نريد أبطالا ومغامرين، ولكن أشخاصا واعين محترفين يتحملون المسؤولية"، يقول كونة حول الشروط الواجب توفرها في الراغبين بالمشاركة في التدريب، والذين ينهون تأهيلهم في مركز ZIF من أجل المشاركة لاحقا في مهمات حفظ السلام الدولية، حيث يتم تسجيلهم بعد التأهيل في بنك معلومات يحتوي جميع الأسماء، ليمكن عند الحاجة اختيار المناسب منها حسب المهمة. ويعتبر بنك المعلومات من العناصر الأساسية الهامة لاختيار وترشيح الخبراء المدنيين من ألمانيا للمشاركة في مهمات حفظ السلام ومراقبة الانتخابات لصالح منظمات ومؤسسات الأمم المتحدة المختلفة: أكثر من 1200 خبير وقيادي ومدير قام مركز ZIF بضمهم إلى بنك المعلومات حتى الآن. وتتراوح أعمارهم بين أواخر العشرينات وأواخر الخمسينات، ولديهم جميعا خبرات وتجارب عملية داخل وخارج ألمانيا. ويعمل الكثير منهم كخبراء في مجالات الإدارة والمال، وفي مجالات القضاء أو في سلك الشرطة أو في مجال المساعدات الإنسانية.

سيرة ذاتية يتميز بها أيضا المشاركون في الدورة التدريبية في أكاديمية برلين شموكفيتس. على سبيل المثال غابرييلة فالنتيش. المدعية العامة الألمانية والخبيرة لدى مركز ZIF تعمل منذ عام في بريزرن في كوسوفو لصالح مهمة أويليكس EULEX، التابعة للاتحاد الأوروبي، وتساهم في إعادة بناء النظام القانوني والقضائي في منطقة البلقان. "أنا هنا في هذه الدورة التدريبية، لأنني أريد معرفة المزيد عن طريقة أداء فريق دولي من جنسيات مختلفة واختصاصات متنوعة في منطقة أزمات حرجة، ويقوم بسرعة في جمع الأدلة والإثباتات"، حسب الحقوقية الألمانية. وبشكل مشابه يرى بيرتيان تيرند الأمور أيضا: الشرطي الهولندي المتخصص في الجرائم الدولية عمل في أفغانستان وفي رواندا، التي وقعت في 1994 ضحية حرب تطهير عرقية ذهب ضحيتها حوالي 800000 إنسان، وكانت أكبر كارثة تصيب البلاد في تاريخها. منذ 1996 تعمل المحكمة الدولية الخاصة للأمم المتحدة على معالجة هذا التطهير العرقي. وحسب رأي تيرند فإن خبراء دوليون، من أمثال أولئك الذين يقوم مركز ZIF بتأهيلهم اليوم في دورته التدريبية JRR على جمع أدلة الإثبات والاتهام كان من الممكن أن يساعدوا كثيرا في التعامل القانوني مع تلك الجريمة وفي جمع أدلة عنها.