الذكاء الاصطناعي يتطلَّع إلى المستقبل في مجال اللوجستيات
يُعد مقدمو خدمات اللوجستيات في ألمانيا رواد التحوُّل الرقميّ؛ إذ يعتمدون على الذكاء الاصطناعي لتحسين مهام عملهم على نحو مستمر.

من يعرف هامبورغ، يعرف كذلك الميناءَ وتكدُّس الحاويات الشاهقة على رصيفيّ ألتينفيردر وبورخاردكاي. وكما هي الحال في خلية نحل ضخمة، تنقل المركباتُ الآليةُ الحاويات من الرافعات وإليها، والتي تضطلعُ بدورها بتحميل السفن وتفريغها. تعمل سلاسلُ اللوجستيات في ألمانيا على نحوٍ مُنظَّم مثل لعبة مكعبات ضخمة، لكن بقواعد مُعقَّدةٍ للغاية. وتُستخدَم فيها الآن تقنياتٌ عديدة من الذكاء الاصطناعيّ: يدير الذكاءُ الاصطناعيُّ المركبات على الأرصفة، وتراقب البرمجياتُ الذكية عمليات النقل والتخزين وتكتشف الأضرارَ التي قد تلحق بالمعدات التقنية بفعل التآكل على سبيل المثال. كما يستطيعُ حتى تقديرَ الأماكن المثالية لتخزين الحاويات، ليوزِّعها بشكلٍ فعَّال مُوفِّرًا الوقتَ والمساحةَ والتكلفةَ وسط تكدُّس مئات الآلاف من حاويات الشحن. يُعدّ نظامُ اللوجستيات في ميناء هامبورغ أحدَ أكثر الأنظمة تقدُّمًا وحداثةً في العالم، ويساهم الذكاءُ الاصطناعيُّ في ضمان أن يظل الميناءُ البحريُّ الأكبرُ في ألمانيا بوابةً إلى العالم.
Dieses YouTube-Video kann in einem neuen Tab abgespielt werden
YouTube öffnenمحتوى ثالث
نحن نستخدم YouTube، من أجل تضمين محتويات ربماتحتوي على بيانات عن نشاطاتك. يرجى التحقق من المحتويات وقبول الخدمة من أجل عرض هذا المحتوى.
فتح تصريح الموافقةأنظمةٌ مُفكِّرة
نظرًا لأن الأزمات الجيوسياسية والتقلُّبات الاقتصادية وتأثيرات التغيُّرات المناخية يمكن أن تخل بتوازن سلاسل التوريد العالمية، يسعى اللوجستيون لجعلها أكثرَ مرونةً وذكاءً واستدامة. ومن هذا المنطلق، أصبحت "الأنظمةُ المُفكِّرةُ"، التي تتعلَّم وتتطوَّر ذاتيًا، جزءًا من مجال اللوجستيات؛ يستخدم حاليًا أحد عشر في المائة من الشركات في ألمانيا الذكاءَ الاصطناعيَّ في سلاسلها للتوريد – بينما تُعادل النسبةُ على المستوى العالميّ تسعةً في المائة وفقًا لشركة الاستشارات (أكسنتشر). يترتب على ذلك ما يلي: تتطوَّر الشركاتُ وتبتكر منتجاتٍ جديدةً على نحوٍ أسرع، وتطرحها من ثم في الأسواق بسرعةٍ أكبر، وتصبح بالتالي أكثر نجاحًا من منافسيها الأبطأ.
اللوجستيات مُحرِّكٌ للابتكار
يستخدم مقدمو الخدمات اللوجستية البرمجيات المتطورة تقنيًا "من أجل زيادة كفاءتهم وجودتهم وإنتاجيتهم"، كما يقول بيرنهارد روهليدر، كبيرُ الإداريين التنفيذيين في اتحاد صناعة تكنولوجيا المعلومات بيتكوم. في الوقت الحالي، تستفيد واحدةٌ من كل خمسة شركاتٍ لوجستية في ألمانيا من الذكاء الاصطناعيّ، كما تخطط ربعُ الشركات الأخرى لتطويعه في عملياتها. يعتبر هذا القطاع نفسَه رائدًا طليعيًا للرقمنة؛ إذ حتى الأدوات الصغيرة تسهم في زيادة كفاءة سلاسل التوريد. ابتداءً من معالجة المستندات المدعومة بالذكاء الاصطناعيّ، ومرورًا بمرحلة التحكم في استلام البضائع وإدارة المخزون، ووصولًا إلى تخطيط الموارد والنقل في مرحلة التوزيع.
تقوم أدواتُ الذكاء الاصطناعي بتحديد أفضل طرق التسليم وكذلك الطرق المثلى لاستغلال الحاويات والمقطورات والشاحنات التبادلية (التي تشبه الحاويات للوهلة الأولى، لكنها غير قابلة للتكديس ومن ثم لا يمكن توصيلها عن طريق النقل البحري)، مما يسهم في تخفيض التكاليف وتجنُّب الرحلات الفارغة غير الاقتصادية. يستغل مقدمو الخدمات وشركاتُ الشحن أدوات الذكاء الاصطناعي لجعل الإجراءات أكثرَ شفافيةً وسرعةً في مراكز نقل البضائع من وسيلة إلى أخرى. ويقيس الذكاءُ الاصطناعيُّ تلقائيًا مئات الآلاف من الطرود الواردة، ثم تُنقَل الطرود التي تعرَّفت عليها الآلاتُ بوضوح من خلال سلسلة توريد عالية الكفاءة يُتحكَّم فيها رقميًا.
توقُّعاتٌ دقيقة
يمكن للإنسان -بفضل أدوات الذكاء الاصطناعي التي تخفف العبءَ عن البشر في المهام الروتينية التي تستغرق وقتًا طويلاً- التركيز على اتخاذ قراراتٍ مُعقَّدة والتفاعل بسرعةٍ أكبر لحل المشكلات. وتكمن أكبرُ إمكانيات الذكاء الاصطناعيّ في قدرته على التنبؤ والتخطيط للاحتياجات المستقبلية من المواد اللازمة والطاقة الاستيعابية للنقل. ويستطيع الذكاءُ الاصطناعيُّ مطالعةَ كمياتٍ ضخمة من البيانات التي يصعب على البشر فهمها وتنظيمها وتحليلها. واستنادًا إلى البيانات التاريخية والحالية، يقوم الذكاءُ الاصطناعيُّ بإعداد توقُّعاتٍ تصبح أكثر دقة كلما زادت عمليات الرقمنة وازداد حجمُ البيانات. ومن ثم يستطيع العاملون في مجال الصناعة ومقدمو الخدمات التنبؤ بالاضطرابات المحتملة، مما يُمكِّنهم من التصرُّف بشكلٍ استباقيّ – سواءٌ وقعت الاختلالاتُ بسبب تغيُّراتٍ في الطقس أو مخاطر سياسية أو نقصٍ في المواد الخام؛ فالمفهوم التقليديّ الذي يعتمد على الحدس البشريّ المهم في الصناعة، يُستَكْمَل الآن تدريجيًا باستخدام الذكاء الاصطناعيّ والتقنيات المُتقدمة.