إلى المحتوى الرئيسي

أسبوعان من الشكر والامتنان

آلاف كثيرة من الألمان يستقبلون الهاربين من الحرب في أوكرانيا. وقد قمنا بزيارة إحداهن.

مارتينا بروبسون-هاوك, 28.03.2022
سابينة نيتمان (لليسار)، سفيتلانا شيفشينكو، أنجيليكا أوليفيرينكو
سابينة نيتمان (لليسار)، سفيتلانا شيفشينكو، أنجيليكا أوليفيرينكو © Rolf Oeser

عندما عادت مضيفة الطيران سابينة نيتمان إلى بيتها كانت رائحة الطعام اللذيذ تفوح في أرجاء البيت: كان بانتظارها "بورتشتش مع لحم العجل"، شرائح الخبز المغطاة بالدهن مع قطع من الخيار، حبوب الشعير مع الزبدة والملح. طعام أوكراني تقليدي. لفتة امتنان وشكر من ضيوفها، الذين فروا من كييف هربا من ويلات الحرب الأوكرانية. إضافة إلى صدمة ثقافية صغيرة أصابت الضيوف عندما شرحت لهم نيتمان النباتية، من خلال مزيج من الإنكليزية والفرنسية ولغة الإشارة، بكل لطف أنها "مع الأسف" لا تتناول اللحم إطلاقا.

نيتمان استقبلت المُدرّسة ذات الخمسين عاما، أنجيليكا أوليفيرينكو وأمها سفيتلانا شيفشينكو البالغة من العمل 71 عاما، وهي المديرة التنفيذية لكلية الرقص الوطنية في كييف، وذلك في مطلع شهر آذار/مارس في شقتها البالغة مساحتها 80 مترا مربعا في مدينة فرانكفورت. مع بداية الحرب في أوكرانيا عمدت إلى تسجيل اسمها لدى "إلينور"، وهي واحدة من شبكات عديدة تبحث عن عائلات مضيفة لاستضافة اللاجئين الأوكرانيين الهاربين من الحرب. تحتوي غرفة المكتب في منزلها على كنبة يمكن فتحها وتتسع لشخصين. لم تكد تسجل اسمها، حتى جاء السؤال من إحدى معارفها: والدة وجدة داريا أوليفيرينكو، التي تعيش في ألمانيا وتعمل مدربة لرقص الباليه، قادمتان من كييف، وهما بحاجة ماسة إلى مأوى، حيث أن شقة داريا صغيرة لا تتسع لهما.

إنه شعور هائل بالعجز وقلة الحيلة
سابينة نيتمان

جواب المضيفة ذات الأربعة وثلاثين عاما كان بالإيجاب فورا. "كان واضحا بالنسبة لي منذ اندلاع الحرب أنني أريد المساعدة". بداية تبرعت بالمال وساعدت عبر تقديم تبرعات عينية. "إنه شعور هائل بالعجز وقلة الحيلة، عندما يجلس المرء أمام التلفزيون ويشاهد صور الحرب المرعبة والأعداد الكبيرة من اللاجئين". الليلة الأولى بعد رحلة اللجوء من كييف التي دامت خمسة أيام أمضتها السيدتان في شقة داريا الصغيرة. وفي اليوم التالي حضرتا إلى بيت سابينة نيتمان. في اليوم التالي كان عليها السفر في رحلة عمل إلى جنوب أفريقيا لخمسة أيام. وهكذا كانت الشقة في البداية تحت تصرف السيدتين وحدهما. أتاحت لهما سريعا استخدام الإنترنت، حيث أنه من المهم بالنسبة للاجئين في هذه الظروف استمرار التواصل مع الوطن والأصدقاء والأقرباء. 

زوج أنجيليكا البالغ من العمر 56 عاما بقي في أوكرانيا، لأنه يريد مساعدة بلاده في هذه الظروف، وهو مهندس يتمتع بخبرة عسكرية. "نأمل فقط في أن ينجو"، تقول السيدتان، بينما تجلسان إلى مائدة الطعام في فرانكفورت، وتتحدثان عن المعاناة، والدموع تنهمر من عيونهما.

"كثيرا ما يشدنا العناق"، تقول سابينة نيتمان.
"كثيرا ما يشدنا العناق"، تقول سابينة نيتمان. © Rolf Oeser

"سابينة كانت الكتف التي يمكننا الاتكاء والبكاء عليها، في هذه الظروف الصعبة"، تقوم مدربة رقص الباليه داريا خلال الترجمة. وكانت قد تابعت هروب أمها وجدتها عبر الهاتف الجوال، وقدمت لهما النصائح التي كانت تجدها في الإنترنت، والتي وصلتها عبر معارف عن طريق معارف، والتي ساعدتهما على سلوك الطريق الصحيحة بالسيارة، والعثور على معسكر ليلي لقضاء الليل. وقد أصيبت بالمرض من شدة القلق والخوف، ولم تتمكن لفترة وجيزة من ممارسة عملها المعتاد. "لم أكن قادرة على التنفس بسهولة"، تشرح الراقصة المحترفة والمدربة الفنية، التي رقصت في الباليه القومية في ليتوانيا، وعملت لصالح مسرح بولشوي في موسكو كمصممة رقص. وقد جاءت قبل عامين إلى ألمانيا، لأن صديقها يعيش هنا.

الأهم هو أننا لا نسمع هنا مزيدا من إطلاق النار
أنجيليكا أوليفيرينكو

أيضا في الإجراءات مع الدوائر الرسمية تقدم سابينة نيتمان المساعدة. "لقد فوجئت بالفعل بالاستعداد الكبير للمساعدة، والمعاملة اللطيفة من قبل الموظفين، على غير ما يتم ترويجه". إحدى الموظفات الحكوميات شكرتها شخصيا، على اهتمامها بالسيدتين ومساعدتها لهما. "على الرغم من بشاعة الحال وصعوبتها، فإن المساعدة والإنسانية التي نشهدها في كل مكان جميلة جدا".

وهي ليست بحاجة للكثير من الحديث مع ضيوفها، "كثيرا ما نقع في أحضان بعضنا البعض ويشدنا العناق، ونبدأ بالبكاء". حيث يشاهد الجميع معا الأخبار مرتين في اليوم، ويشاهدن معا مشاهد القتل والدمار. "سألت في البداية إذا كان بالإمكان من حيث المبدأ متابعة الأخبار، إلا أنهما أرادتا مشاهدة ومتابعة كل شيء". تقع شقة نيتمان في شارع رئيسي يعلو فيه ضجيج السيارات وأزيز قطارات الشوارع. وقد سألت ضيفتيها في اللية الأولى ما إذا كانتا بحاجة إلى سدادة أذن وقناع للنوم. "المهم أننا لا نسمع ضجيج إطلاق النار"، جاء الجواب المؤثر.  

الشكر والتذكير في ذات الوقت – السيدات من أوكرانيا
الشكر والتذكير في ذات الوقت – السيدات من أوكرانيا © Rolf Oeser

الحديث عن عملية الهروب الصعبة مازالت تثير مشاعر السديتين باستمرار: بداية بالسيارة، إلا أن الطرقات كانت مزدحمة، ثم الانتظار 12 ساعة لوصول أحد القطارات من كييف. إلا أنه كان ممتلئا تماما. بالسيارة، والباص وبمساعدة متطوعين اصطحبوهما مسافة طويلة عبر بولندا بسيارتهم الخاصة، باتجاه تشيكيا، حتى وصلتا أخيرا إلى براغ، ثم إلى درسدن، ومنها إلى فرانكفورت. مازالت الاثنتان تجدان صعوبة في النوم. إلا أن استعداد الألمان للمساعدة مدهش لهما.

إحدى تلميذات الرقص عند داريا تمكنت من العثور على شقة مفروشة شاغرة لدى إحدى معارفها، وقد قامت بتخفيض الإيجار بحيث تكون السيدتان قادرتين على دفعه. لا تكاد الاثنتان تصدقان حظهما الجيد، وقد تتالت العروض المجانية عليهما من أدوات المطبخ والملابس وأغطية السرير. بعد أن كان بصحبتهما غيار واحد من الملابس إضافة للوثائق المهمة. خلال الرحلة وفي فرانكفورت وجدتا كل مساعدة وترحيب. ولهذا تؤكدان في كلاهما باستمرار على الامتنان والشكر، في كل مناسبة. المحبة بين الناس هي الأمر الأهم عند وقوع كوارث، مثل الحرب، تقول داريا.

داريا أوليفيرينكو تزور جدتها وأمها عند سابينة نيتمان
داريا أوليفيرينكو تزور جدتها وأمها عند سابينة نيتمان © Rolf Oeser

حوالي ثلاثة ملاين إنسان يعتبرون اليوم نازحين في أوكرانيا، وهذا العدد يتزايد يوما بعد يوم. حوالي 150000 منهم وصلوا إلى ألمانيا حتى منتصف آذار/مارس. ومن لا يحالفه الحظ بالإقامة عند أقارب أو أصدقاء أو أشخاص متطوعين يرغبون في المساعدة، يجد الأمان والمأوى في صالات رياضية مدرسية وغيرها من الصالات التي خصصتها المدن والبلديات وجهزتها بأسرة ميدانية وأغطية ومساعدات عينية متنوعة، قدم المواطنون كثيرا منها أيضا. شبكات التواصل الخاصة مليئة الآن بعروض المساعدة. بعد خروج السيدتين من الشقة، تريد سابينة نيتمان تنفس الصعداء أسبوعين وحيدة في شقتها. بعدها سوف تبحث مجددا عن لاجئين يبحثون عن مأوى لاستقبالهم في بيتها.

© www.deutschland.de

You would like to receive regular information about Germany? Subscribe here