دور الناشطين الدينيين في تخفيف حدة الصراعات
يتمتع الناشطون المدفوعون دينيا بميزة ثقة أفرقاء الأزمات
1_ كولومبيا
في عملية السلام الكولومبية، خلال الأعوام الأخيرة المنصرمة، مارس ممثلو الكنيسة الكاثوليكية دوراً هاماً وراء الكواليس انطلاقاً من رصيد الثقة الذي يتمتعون به لدى جميع أطراف النزاع. وكذلك فقد كان لهم أيضاً دور هام فيما يخص مراجعة وتعديل اتفاق السلام الذي قوبل في بادئ الأمر بالرفض من قبل الأهالي.
2_ موزامبيق
في موزامبيق المترنحة آنذاك على وقع ضربات الحرب الأهلية نجحت وساطة الحركة الأهلية الكاثوليكية سانت إيغيديو، بالتعاون مع الأسقف غونكالفيس، في العام 1992 وفي ذروة احتدام الحرب الأهلية، في التوصل إلى اتفاق سلام مديد أثبت قدرة عالية على الصمود. سبق ذلك محاولة وساطة فاشلة من قبل الأمم المتحدة، وقد بدا المشهد في حينه قاتماً لا شيء فيه يبعث على الأمل، إلى أن ظهرت سانت إيغيديو وتولت زمام المبادرة. كذلك الحال أيضاً في غينيا/كوناكري حيث تمكنت سانت إيغيديو في العام 2010 من الأخذ بيد الأطراف المتنازعة إلى اتفاق سلام، مهد الطريق لإجراء انتخابات ديمقراطية هي الأولى في البلاد بعد انقطاع دام 50 عاماً. وحالياً تبذل سانت إيغيديو قصارى جهدها في الدفع نحو اتفاق هدنة في جمهورية أفريقيا الوسطى.
3_ رواندا
إبان مجزرة رواندا في العام 1994، حيث أقدمت قبائل الهوتو (المسيحية) على ذبح ما يزيد عن 800,000 من رعايا قبائل التوتسي (المسيحية) خلال مدة لم تتجاوز 100 يوم، لم تجرؤ سوى فئة واحدة من السكان على الوقوف في وجه تيار العنف الجارف: مسلمو رواندا. لقد أدرك هؤلاء في مرحلة مبكرة جداً حقيقة الوجهة التي تدفع نحوها بروباغاندا الكراهية والعنف. وبكثير من الشجاعة رفعوا الصوت عالياً في وجه دعاية الحرب الأهلية، أدانوا العنف بصفته مناقضاً للنص القرآني، وأطلقوا في المدارس الإسلامية برامج تأهيلية لتوعية الأطفال وتحصينهم ضد دعاية الكراهية والعنف. اتخذوا موقفاً رافضاً للعنف وساعدوا الفارين - بصرف النظر عن دينهم أو إثنيتهم - على الإفلات من براثن فرق الموت، قدموا لهم الملاذ الآمن، قدموا لهم الطعام، ووقفوا أمامهم يحمونهم بأجسادهم كالجدار، وكثيراً ما دفعوا حياتهم ثمناً لذلك.
4_ بينين
أن تكون عملية تغيير النظام والتحول إلى الديمقراطية في بينين 1989/1990 قد تمت بطريقة سلمية بعيداً عن العنف، فإن الفضل في ذلك يعود في المقام الأول إلى الأسقف إيزيدور دي سوزا الذي أطلق في شباط/فبراير 1990 مبادرة المؤتمر الوطني للقوى الفاعلة في البلاد "Conférence Nationale des Forces Vives de la Nation" بمشاركة ما يقارب 500 ممثل من مختلف التيارات الاجتماعية والسياسية على امتداد البلاد. وفي ظل إدارته الرشيدة فقد نجح المؤتمرون خلال بضعة أيام فقط في التفاهم على جملة من الإصلاحات المركزية الديمقراطية والاقتصادية، وفي إلزام جميع القوى بضرورة نبذ العنف. ولاحقاً فقد ترأس إيزيدور دي سوزا الحكومة الانتقالية - في مخالفة صريحة لقانون الكنيسة المعمول به، لكن بموافقة شخصية (استثنائية) من البابا -، ثم ترأس في نهاية المطاف أيضاً المجلس الأعلى للجمهورية. ومن خلال تسلمه رسمياً هذه الوظائف السياسية الرفيعة تمكن دي سوزا من التوسط مباشرة بين أطراف النزاع والدفع بهم إلى الاندماج، واستطاع بذلك أن يضع عملية تغيير النظام منذ البداية على مسارات سلمية، قبل أن يعود في العام 1993 إلى التفرغ لمنصبه الروحي من جديد.
5_ جمهورية ألمانيا الديمقراطية DDR
موجة الاحتجاج في جمهورية ألمانيا الديمقراطية ما كانت لتتطور إلى ما آلت إليه لولا مشاركة الكنيسة البروتستانتية، وما كانت "الثورة السلمية" 1989 لتحافظ طويلاً على طابعها السلمي. وقد أخذ الدور الذي اضطلع به ممثلو الكنيسة أشكال عديدة مختلفة: فقد قدمت الكنيسة من جهة سقفاً جامعاً يلتقي تحته مختلف صنوف المعارضين ومختلف صنوف الجماعات المعارضة - ولم يكن هنالك من سقف جامع بديل في ألمانيا الديمقراطية. ومن جهة ثانية فقد كان ممثلو الكنيسة والجماعات الكنسية في عداد الأطراف الفاعلة الهامة على صعيد تنظيم الحركة الاحتجاجية المعارضة. وثالثاً فقد أدى ممثلو الكنيسة دور الوسيط بين الشعب وأجهزة الدولة، لاسيما في خريف 1989 حين أوشكت السلطات الأمنية على اللجوء إلى العنف لقمع المظاهرات. ورابعاً فقد شارك العديد من القساوسة في جلسات "الطاولة المستديرة"، وساهموا بشكل فاعل، وعلى مختلف المستويات السياسية، في رسم الخطوط العريضة للانتقال السياسي 1989/1990، ثم كانوا أطراف فاعلين في مختلف الوظائف بعد إعادة توحيد البلاد.
6_ تشيلي / الأرجنتين
بعد نزاع استمر لعقود طويلة حول مسار الحدود في قناة بيغل، نجح البابا يوحنا بولس الثاني في العام 1978، وفي الثانية الأخيرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، في درء خطر حرب دموية يصعب التكهن بحجمها بين الجارين تشيلي والأرجنتين. جهود حثيثة بذلها موفدو البابا على مدى ست سنوات تكللت أخيراً بالنجاح في إبرام "اتفاق سلام وصداقة" بين البلدين الجارين.
7_ كمبوديا
بعد فترة الحكم المروعة التي عرفتها كمبوديا في ظل "بول بوت" و "الخمير الحمر"، والتي راح ضحيتها حوالي المليونين من الكمبوديين - ما يقارب ربع سكان البلاد -، أطلق الراهب البوذي ماها غوزاناندا في العام 1979 حركة أهلية للسلام والمسامحة سرعان ما تطورت إلى قوة فاعلة هامة في البلاد، وباتت تمثل صوتاً لا يمكن إغفاله في أوساط السياسة والمجتمع.
8_ ألمانيا
قدمت مبادرة "التسلح الأخلاقي" التي أطلقها القس البروتستانتي فرانك بوخمان (والمستمرة اليوم تحت مسمى "مبادرات كوكس") جهوداً هامة على صعيد الوساطة غير الرسمية وما يعرف "بالخدمات الدبلوماسية الحميدة" في العديد من الصراعات. وقد ساهمت هذه المبادرة إلى حد كبير في إرساء التفاهم والمصالحة بين قطبي "العداوة الموروثة" التاريخيين، ألمانيا وفرنسا، بعد انقضاء الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي تم دفعه قدماً من قبل ممثلي الكنيسة من كلا الجانبين أيضاً.
9_ الهند
في الهند المستعمرة من قبل بريطانيا، وفي زمن غاندي، أقدم المسلم خان عبد الغفار خان في المنطقة الريفية الحدودية شمال غرب البلاد على تأسيس حركة مقاومة إسلامية متشددة، لكنها كانت بالقدر ذاته متشددة أيضاً في نبذ العنف وفي التزام التسامح الديني. حملت هذه الحركة اسم "خدم الله" (Khudai Khitmatgaran). تحديداً في تلك البقعة الجغرافية التي تقطنها قبائل البشتون المعروفة بميلها التاريخي إلى العنف نشأت هذه الحركة المعارضة التي ناضلت سلمياً من أجل حقوق الإثنيات في تقرير مصيرها، ومن أجل وطن هندي موحد متعدد الأديان والإثنيات. لبضع سنوات شهدت المنطقة حركة تحول اجتماعي بالغة الحساسية أدهشت غاندي الذي وصفها "بالأسطورة الحديثة".
10_ الفلبين
إن إسقاط سلطة القمع والاستبداد التي جسدها الدكتاتور الفلبيني فرديناند ماركوس بالاعتماد إلى حد بعيد على وسائل النضال السلمي، ذلك الإنجاز الكبير الذي تحقق في العام 1986، يرجع الفضل فيه في المقام الأول إلى الدور الهام الذي اضطلعت به أطراف عديدة في الكنيسة الكاثوليكية. لقد كان للرهبان ورجال الكنيسة دور بارز في إقناع الشعب بضرورة التزام النضال السلمي والابتعاد عن العنف، هؤلاء هم من وضع حجر الأساس لنجاح "الثورة الوردية".
11_ كشمير
منذ الصراع الهندي الباكستاني على الحدود في كشمير (1965/1966)، ثم خلال الحرب الأهلية الدموية في مقاطعة بيافرا النيجرية (1967-1970)، دأب ممثلو كنيسة السلام التاريخية "الكويكرز" على ممارسة دور الوساطة الفاعلة بين الأطراف المتصارعة، ولا يزالون يضطلعون بهذا الدور الهام إلى اليوم في العديد من الصراعات العنيفة على امتداد العالم - لكنهم يتعمدون العمل خلف الكواليس بعيداً عن اهتمام الإعلام.
12_ أمريكا اللاتينية
في نيكاراغوا، في السلفادور، في غواتيمالا وغيرها من بلدان أمريكا اللاتينية، كان هنالك على الدوام (خاصة في الثمانينيات والتسعينيات) مساهمات جدية من قبل بعض الأساقفة الكاثوليك - ولكن أيضاً من قبل المجلس المسكوني للكنائس، والاتحاد اللوثري العالمي، والوسطاء المنونيين وغيرهم - في العمل على إنهاء الصراعات العنيفة بشتى الطرائق الفعالة.
13_ أديان من أجل السلام
في البوسنة والهرسك، في كوسوفو، في ليبيريا وسيراليون وبلدان كثيرة أخرى، ساهمت المجالس الدينية المشتركة Interreligious Councils على المستوى المحلي في المعالجة البناءة للصراعات السياسية، وذلك من خلال طيف منوع من الفعاليات والأنشطة، وبتحفيز مباشر في معظم الأحيان من منظمة السلام بين الأديان Religions for Peace. وهكذا فقد نجح المجلس الديني المشترك في البوسنة والهرسك IRC-BiH وبجهود ذاتية في صياغة مشروع قانون حول الحرية الدينية والعلاقة بين الدين والدولة، وقد تم إقراره بالإجماع من قبل الإثنيات الثلاث جميعها، أو بالأحرى من قبل الجمهوريات الجزئية الثلاث. ومن جهة أخرى فقد تمكن المجلس الديني المشترك في سيراليون من إفراغ الحرب الأهلية من أية مضامين دينية، وذلك من خلال التدخل المبكر والحاسم. صحيح أن ذلك لم يمنع وقوع الحرب الأهلية، لكنه قد ساهم في تخفيف حدة الصراع وفي تيسير سبل التفاهم بين الأطراف المتصارعة بعد انتهاء الصراع المسلح.