إلى المحتوى الرئيسي

حيث تستيقظ العصورُ القديمة

سواءٌ كان تابوتًا أم الإلهة أرتميس – يحرص المُرمِّمون على الحفاظ على التماثيل التي يعود تاريخُها إلى آلاف السنين. زيارةٌ إلى ورشتهم.   

Christina Henning , 03.07.2025
    تمثالٌ رخاميٌّ، يحمل آثارَ الزمن
تمثالٌ رخاميٌّ، يحمل آثارَ الزمن © Fazit / Jessica Krauß

هنالك مكانٌ في برلين، تتراكم فيه كنوزٌ فنيةٌ مُخبَّأةٌ خلف أبوابٍ مغلقة. يهتمُ بهذه الأعمال الفنية الخاصة فولفجانج ماسمان، كبيرُ المُرمِّمين لمجموعة الآثار القديمة في المتاحف الحكومية في برلين. يتعاون مع زميلته، نينا فيجل، في المركز الأثريّ الواقع بجوار جزيرة المتاحف مباشرةً. تُخزَّن هنا قطعٌ حجريةٌ، غالبًا منحوتات، من مختلف عصور الفن القديم، وتقع هنا أيضًا ورشةُ الترميم. 

يستقر في وسط الورشة تابوتٌ مفتوح، يشبه حوضَ استحمامٍ من الحجر. "يجب أن ينتظر هذا إلى ما بعد انتهاء المعرض"، يشرح ماسمان بينما يمرُ من أمامه. إنه في طريقه إلى مجموعة الدراسات النحتية. تتراص هناك على رفوفٍ يبلغُ ارتفاعُها ثلاثة أمتارٍ، رؤوسٌ رخاميةٌ من عصورٍ قديمة. وتقف على منصاتٍ نقَّالة تماثيلُ نصفيةٌ مجهولةُ الهوية دون أطراف، وبجانبها مُجسَّماتٌ بالحجم الطبيعيّ لآلهةٍ قديمة. تُجرَد كلُ قطعةٍ بعناية. ومع ذلك، لا يضم المركزُ الأثريُّ سوى عددٍ قليلٍ من القطع؛ إذ يوجد إجمالاً نحو 27,000 قطعةٍ حجرية في مجموعة الآثار. يُعرَض جزءٌ منها في المتاحف، ويوجد الكثيرٌ منها، خاصةً الأجزاءُ المعماريةُ، في مستودعٍ خارجيّ. 

ترميم تمثال – "أرتميس كولونا"  

ينتظر "أرتميس كولونا" – تمثالُ إلهة الصيد – ظهورَه في مجموعة الدراسات النحتية. يُقدَّم "أرتميس كولونا" للجمهور بمناسبة معرض أساس العصور القديمة. متحف برلين الأول، الذي يستمر حتى مايو/أيار 2026. وسوف يُدمج بعد ذلك في المجموعة الدائمة. يُعدّ هذا التمثال من بين القطع التي عُرضِت لأول مرة قبل ما يقرب من 200 عام في جزيرة المتاحف. افتتح المتحفُ الملكيُّ، المعروفُ اليوم باسم المتحف القديم، أبوابَه أمام الزوار بمعرضٍ أول في عام 1830. يشرح ماسمان: "هذه اللوحة الخزفية هي، من بين أمورٍ أخرى، دليلٌ على أن 'أرتميس كولونا' كان من بين أول الأعمال المعروضة"، ويشير إلى القاعدة. وعليها: لوحةٌ صغيرةٌ تحملُ الرقمَ 32 في كتابةٍ بخطٍ أنيقٍ مزخرف. 

    تُشكَّل اليدان بحساسيةٍ فائقة.
تُشكَّل اليدان بحساسيةٍ فائقة. © SMB, Antikensammlung, Katrin Haug

جهَّز فريقُ فولفجانج ماسمان "أرتميس كولونا" لهذا المعرض. خلال عملية الترميم السابقة قبل بضع سنوات، اُستكمِلت الأصابعُ المفقودة في اليدين بالرخام. يؤكد ماسمان أن المُرمِّمين باتوا لا يفعلون ذلك اليوم إلا في حالاتٍ نادرةٍ للغاية. "في عصر الباروك والفترة الكلاسيكية، كان النحاتون يستكملون التماثيل في كثيرٍ من الأحيان. وكانوا يحاولون كذلك في بعض المرات معالجةَ الرخام بالأدوات، بحيث يحاكي السطحَ الخشنَ والمتآكل في العصور القديمة". 

أولاً، نظرةٌ فاحصة  

    صورةٌ من عام 1906 تُظهر تمثالَ "أرتميس كولونا" في المتحف القديم.
صورةٌ من عام 1906 تُظهر تمثالَ "أرتميس كولونا" في المتحف القديم. © Staatliche Museen zu Berlin, Zentralarchiv

يستخدم فولفجانج ماسمان أحيانًا أدواتٍ، مثل المثقاب والمطرقة والمعول. توجد في الورشة خزانةٌ كاملةٌ مليئةٌ بجميع أنواع الأدوات. تشرح المُرمِّمة نينا فيجل: "لكن قبل أن نبدأ العملَ على قطعةٍ ما، يجب أن نتعرَّف على كل التفاصيل والخصائص الفريدة والمُميِّزة والإشكاليات المحتملة". ينظر المُرمِّمون في فحصٍ أوليّ بدايةً إلى: هل بنية الحجر سليمة أم مسامية؟ ما حالة مادة اللصق المُستخدَمة أو المسامير التي تربط أجزاءَ التمثال بعضَها ببعض؟ "يمكن أن تتسبَّب المساميرُ الحديديةُ على وجه الخصوص في حدوث تشقُّقاتٍ في الرخام بسبب التآكل، مما يُعرِّض استقرارَ التمثال للخطر. ويمكن في أسوأ الحالات أن تسقط أجزاءٌ كبيرةٌ، مثل الأذرع وطيّات الملابس، أو حتى ينقلب التمثال. إن منعَ ذلك والتحقُّق منه باستمرار هو أحدُ مهامنا"، يسهب ماسمان في القول.  

بعضُ المهام تستغرق شهورًا 

يوجد في ورشة ترميم الحجارة في المركز الأثريّ العديدُ من وسائل الحفظ أو أصباغ الألوان التي تمنع حدوثَ ذلك؛ إذ يحمل رفٌ حاوياتٍ بلاستيكيةً تحتوي على مواد تشبه المسحوق بأحجامٍ حبيبيةٍ وألوان مختلفة: واحدةٌ صفراء تحمل اسم "مسحوق الحجر الرملي"، أو "رخام وردي مرجاني"، أو "طباشير ذهبي". كما تتوفَّر ألوانٌ في أنابيب ومطارقُ خشبية وفُرشٌ وموادُ رابطة. تقول فيجل: "نُطوِّر مفهومًا فرديًا لكل قطعة من أجل ترميمها وتوثيقها بشكلٍ مناسب". يقضي المُرمِّمون غالبًا عدة أسابيع أو حتى أشهر في العمل على قطعةٍ واحدة. ولا يزال العملُ المُكثَّفُ على التماثيل يثير حماسَ فولفجانج ماسمان حتى بعد عقود: "التعاملُ مع القطع هو دائمًا شيءٌ مُميَّزٌ وفريدٌ من نوعه ويجعلني سعيدًا".