إلى المحتوى الرئيسي

التحول في عالم الصناعة

من تقنيات الهيدروجين إلى الشرائح العالية الأداء: تتمتع ألمانيا بمكانة رائدة في مجال الهندسة الميكانيكية، مع رغبة شديدة في التحول. 

Benjamin Kleemann-von Gersum , 23.04.2025
65000 شركة ألمانية تعمل في مجال بناء الآلات والمعدات.
65000 شركة ألمانية تعمل في مجال بناء الآلات والمعدات. © industrieblick.net

عالم بدون وقود أحفوري - تلك كانت رؤية شركة صن فاير «Sunfire» الناشئة عندما بدأت في تطوير وبناء أجهزة التحليل الكهربائي في دريسدن قبل 15 عامًا. وهذا ما يجعل الشركة الناشئة واحدة من رواد اقتصاد الهيدروجين على المستوى العالمي: تستخدم أجهزة التحليل الكهربائي الطاقة الكهربائية لتقسيم جزيئات الماء لإنتاج الهيدروجين الذي نحتاجه بشدة. واليوم، مع أكثر من 650 موظفًا، أصبحت شركة صن فاير من الشركات المصنعة الرائدة عالميًا في هذا القطاع، وقد حصلت خلال العام 2024 على حوالي 500 مليون يورو من المستثمرين والبنك الأوروبي للاستثمار. يقول نيلس ألداغ، الرئيس التنفيذي لشركة صن فاير، في وصفه للخطط المستقبلية: «إن الأموال المقدمة ستساعدنا على مواصلة النمو والمضي قدمًا في تطوير تقنياتنا».  

نحو تقنيات الهيدروجين: مدير صن فاير، نيلس ألداغ
نحو تقنيات الهيدروجين: مدير صن فاير، نيلس ألداغ © Sunfire

أكبر رب عمل صناعي 

تعتبر شركة صن فاير واحدة من أكثر من 6500 شركة ألمانية تعمل في مجال الهندسة الميكانيكية وهندسة التجهيزات. بالإضافة إلى اللاعبين الرئيسيين مثل سيمنز، تيسون كروب، إندستريال سولوشنس، بوش ريكسروت، ترمبف، هناك العديد من الشركات المتوسطة الحجم والشركات الصغيرة والشركات الناشئة. يمتد مجال النشاط الواسع من تكنولوجيا الدفع إلى أدوات الآلات ومن تكنولوجيا النقل إلى الروبوتات. وقد حقق هذا القطاع حجم مبيعات بلغ نحو 263 مليار يورو في عام 2023، وتم توظيف أكثر من مليون شخص في ألمانيا، وبالتالي فهو أكبر رب عمل صناعي. ومن بين ما يميز هذه الصناعة معدل التصدير المرتفع، إذ يتم تصدير أكثر من 80 بالمائة من المنتجات إلى خارج البلاد. وبحسب تيلو بروتمان، المدير العام لجمعية هندسة الميكانيك والتجهيزات (DMA)، فإن الشركات الألمانية تتميز في المنافسة الدولية، من بين أمور أخرى، «بكفاءة الحلول والابتكار والجودة». وأضاف أن هذا القطاع الصناعي يعتبر بمثابة «العمود الفقري الصناعي في ألمانيا ويقدم منتجاته بصفتها مزود للتكنولوجيا لجميع الصناعات الأخرى». 

الذكاء الاصطناعي مُحرِّكٌ للابتكار 

كما هي الحال في الصناعة بأكملها، تعمل الرقمنة والذكاء الاصطناعي على تغيير الأساليب التي يتم بها تطوير المنتجات الجديدة واستخدامها أيضا في الهندسة الميكانيكية. وتتمتع ما تسمى بالتوائم الرقمية بإمكانات هائلة حقا. يوضح بيرند يونغ، رئيس مجموعة ممارسات التصنيع الصناعي في شركة الاستشارات الاستراتيجية PwC Strategy، قائلاً: «يتم بالفعل استخدام التكنولوجيا على نطاق أوسع لإنشاء نماذج افتراضية للآلات والمصانع». تتيح التوائم الرقمية مراقبة الآلات وصيانتها وتحسينها بشكل أفضل - وبالتالي زيادة الكفاءة وتقليل أوقات التوقف عن العمل. وللقيام بذلك، تقوم خوارزميات الذكاء الاصطناعي بجمع ومعالجة كميات كبيرة من البيانات غير المتجانسة من مجموعة واسعة من المصادر، حيث يمكنها من خلالها تحديد إمكانات التحسين. 

التوائم الرقمية تشكل أساس عمليات الإنتاج الافتراضية.
التوائم الرقمية تشكل أساس عمليات الإنتاج الافتراضية. © Siemens AG

التوائم الرقمية في مصانع بأكملها 

إحدى الشركات الرائدة في هذا المجال هي شركة سيمنز المساهمة. حيث قدمت مجموعة التكنولوجيا التي يقع مقرها في ميونيخ بالتعاون مع شركة تصنيع الآلات DMG Mori، التي يقع مقرها الرئيسي في بيليفيلد، أول توأم رقمي لعملية التصنيع المتكاملة، باستخدام آلات تصنيع الأدوات في وقت مبكر من خريف عام 2023. وبعد فترة وجيزة، جاء الإعلان عن تطوير التوائم الرقمية ليس فقط للآلات الفردية، ولكن لإدارة الطاقة في المصنع بأكمله. هذه المرة عملت شركة سيمنز مع شركة تصنيع السيارات مرسيدس بنز. وأوضح ماتياس ريبيليوس، الرئيس التنفيذي لشركة سيمنز للبنية التحتية الذكية، قائلاً: «بفضل النمذجة الدقيقة لسيناريوهات التشغيل واستخدام الطاقة، يتيح التوأم الرقمي للطاقة اتخاذ قرارات أسرع وأكثر شفافية في مراحل التخطيط المبكرة». وأضاف أرنو فان دير ميرفة، نائب الرئيس لتخطيط الإنتاج في مرسيدس بنز: «يعتبر التوأم الرقمي للطاقة هو الحل الأمثل لتصور وتحليل وتحسين عمليات البناء المرتبطة بالطاقة بشكل مستدام».  

الشركة الرائدة عالميًا في مجال معدات تصنيع الشرائح

لا شك أن الابتكارات الرقمية والذكاء الاصطناعي توفر إمكانات هائلة للهندسة الميكانيكية. إلا أنها تتطلب قوة حوسبة لا تستطيع توفيرها إلا الشرائح الدقيقة عالية الأداء. وهذه بدورها يتم إنتاجها حصريًا تقريبًا في آسيا والولايات المتحدة. ونظرا لتزايد الصراعات التجارية الدولية، فإن هذا الاعتماد قد يصبح بمثابة عنق زجاجة للصناعة الأوروبية. ولكن من ناحية أخرى، يعتمد منتجو الشرائح في جميع أنحاء العالم على أحدث التقنيات القادمة من ألمانيا. تتمتع شركة الهندسة الميكانيكية الهولندية ASML باحتكار افتراضي لمرافق إنتاج الشرائح الدقيقة عالية الأداء وتعتمد على شراكة صناعية مع Zeiss و Trumpf، وهما شركتا تكنولوجيا ألمانيتان عريقتان. وفي حين تساهم شركة Zeiss في توفير أنظمة بصرية متطورة، تساهم شركة Trumpf في تشغيل الآلات باستخدام أشعة الليزر القوية بشكل خاص. لقد أدت عقود من الأبحاث، والمليارات من الاستثمارات، والاستعداد للتعاون الوثيق، إلى رفع الشركات الثلاث إلى مكانة رائدة في تصنيع الشرائح. 

إنتاج الشرائح بآلات من ألمانيا
إنتاج الشرائح بآلات من ألمانيا © iStockphoto

التفاؤل رغم التحديات 

كما هي الحال مع الصناعات الأخرى في ألمانيا، يعاني قطاع الهندسة الميكانيكية والتقنية الألماني من تحديات كبيرة مثل التقلبات الاقتصادية ونقص العمال المهرة. وفوق كل ذلك فإن نسبة التصدير المرتفعة تجعل الصناعة عرضة للخطر: «تواجه الشركات تحدي التعامل مع المتغيرات العالمية العميقة، سواء في المجال الجيوسياسي أو في الاقتصاد العالمي»، حسب بروتمان، المدير الإداري لشركة VDMA. ومع ذلك، تواصل الصناعة الحفاظ على وتيرة عالية من الابتكار. ففي عام 2024 وحده، بلغ الإنفاق على الابتكار في قطاع الهندسة الميكانيكية في ألمانيا حوالي 17,8 مليار يورو. وفي استطلاع أجرته جمعية VDMA في خريف عام 2024، ذكر حوالي نصف الشركات أنها تتوقع زيادة الجهود المبذولة في مجال البحث والتطوير في ألمانيا خلال العام 2025. وفي ذات الوقت، احتلت ألمانيا المرتبة الأولى بين أكثر مواقع البحث جاذبية على المستوى الدولي في هذا الاستطلاع، وكان الأداء القوي المتميز للعلوم الهندسية هو العامل الحاسم في هذا التقييم.